رئيس التحرير
عصام كامل

محمود أباظة: توليت رئاسة «الوفد» بالصدفة.. تسلمته بـ 68 مليونا وتركته بـ 91 مليونا

فيتو

نجاح مشروع التأمين الصحي يُدخل السيسي التاريخ


ديون الحزب تتخطى الـ40 مليونا
أنتمي لعائلة وفدية بامتياز.. وانضممت للحزب بعد عودتي من فرنسا بنصيحة من فؤاد سراج الدين

"أبوشقة" أقدر الموجودين على لم شمل الوفديين.. ولا أمل في مستقبل أفضل دون حلول جذرية للأزمة المالية
أرفض تعديل "مدة الرئاسة".. ودمج الأحزاب يعود بنا لعصر الحزب الوحد المسيطر
.. والمصالحة مع الإخوان مرفوضة لهذه الأسباب
معارضو مبارك لعبوا على مشروع التوريث بذكاء
بعض رجال الأعمال كانوا يراهنون على صعود جمال مبارك




رغم الفترة القصيرة التي قضاها محمود أباظة رئيسا لحزب الوفد لكنه نجح في تنمية موارد الحزب بصورة غير مسبوقة، وحين غادر الحزب كان في ودائعه ما يقرب من الـ 90 مليون جنيه.. أباظة تولى مسئولية الوفد في فترة حرجة عقب رحيل الدكتور نعمان جمعة عن رئاسة الحزب، ورغم أن الرجل وصل إلى المنصب الرفيع بالصدفة فإنه أبلى بلاء حسنا، وعبر بالحزب إلى بر الأمان قبل أن يخسر في أول انتخابات أمام السيد البدوي.. أباظة ترك موقع المسئولية في الوفد لكن الحزب كان حاضرا بقوة في حياته وفى مسيرة طويلة بدأت بانضمامه إلى بيت الأمة في مرحلة مبكرة من حياته، وتحديدا عقب عودته من رحلته الدراسية في فرنسا.. الرجل يجمل في حلقه غصة مما آلت اليه أحوال الحزب العريق مؤخرا، والأزمات المالية التي عصفت به، حتى وصلت ديونه إلى ما يقرب من 40 مليونا، لكنه يؤكد في ذات الوقت أن رئيس الحزب الحالى بهاء أبو شقة قادر على لم شمل الوفديين، والعودة بالحزب إلى سابق عهده.

ملفات كثيرة كانت حاضرة وبقوة في حوار الذكريات مع واحد من رجالات السياسة المخضرمين نتعرف عليها في السطور التالية


كان الملف الأول على مائدة الحوار مع الدكتور أباظة حول النشأة والتعليم والعائلة، وبكثير من الحنين إلى ذكريات الطفولة بدأ السياسي المخضرم حديثه قائلا:
" أنا من مواليد محافظة الشرقية، وعشت فيها حتى التحاقى بالدراسة في كلية الحقوق، وحصلت على الليسانس، ثم سافرت بعد ذلك إلى فرنسا، وعملت في مهنة المحاماة ثم في السياسة، والدى ووالدتى من نفس العائلة "أباظة"، أمى بنت عم والدى، نحن أسرة ريفية، منها من دخل الوظيفة العامة وبالتالى أقاموا في العاصمة، ومنها من دخلوا المجالس النيابية، ووالدى كان عضوا بمجلس الشعب، خصوصا أن عائلتى من أكبر العائلات في الشرقية".

لأباظة حكاية خاصة مع حزب الوفد الذي انضم إليه وصار عضوا به في مرحلة مبكرة من حياته، وعن ذلك يقول: 
"أنا وفدى منذ الصغر، ووالدى كان وفديا، لا أتذكر الموعد الذي رأيت فيه فؤاد سراج الدين، التحقت بالوفد عند عودتى من فرنسا مباشرة، عندما عدت من الخارج كان الوفد مجمدا، وعندما عاد عام 1978، أرسلنا جوابان أنا وياسين تاج الدين لفؤاد باشا حينها، وقلنا فيه إننا نرقب باهتمام وأمل محاولاتكم لإعادة الوفد، ونرى أنه إذا استطاع أن يكون أمينا على ماضية وملما بحاضره بصيرا بمستقبله سيكون أملا لمصر، لم يكن راضيا عن هذا الخطاب حينها، وعندما قابلته بعدها بفترة، وقال لى أنتم تراقبون الأمور من بعيد، لماذا لا تأتون إلى الحزب ويكون لكم دور فاعل، وعند انضمامى للوفد عملت في لجنة الشرقية، وبعدها أصبحت رئيسا لها، ثم عضو المكتب في الحزب، وعضو الجمعية العمومية، ورحلتي مع حزب الوفد رحلة طويلة تقترب من الأربعين عاما". 

ولأن الحديث عن حزب الوفد كان الدخول مع أباظة مباشرة إلى الفترة التي قضاها على رأس الحزب رئيسا له، وعن تلك الفترة وكيف نجح في ترأس واحد من أكبر وأعرق الأحزاب المصرية تحدث قائلا: 
"الأمر كان بالصدفة في رئاستى للحزب، لم يكن أحد يتوقع الخلاف مع نعمان جمعة في الحزب، ترأست الحزب بعد خروج نعمان جمعة مباشرة، في حياة فؤاد باشا سراج الدين كنا نعمل معه جميعا، وبعد وفاته، كان نعمان جمعة هو الرئيس المنتخب، وكنت أعمل معه وصديقا له، ثم توترت العلاقة بشدة في أعقاب انتخابات الرئاسة التي ترشح فيها في منافسة الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ترشح فيها وكانت النتائج سيئة للغاية، لم أكن أرفض ترشحه لكن مؤيدا وكان شرطي ترشح رئيس الحزب وليس شخصا آخر، لكنه أدار المعركة الانتخابية بطريقة سيئة للغاية، كان ينفعل في بعض الأحيان، ويفعل أشياء تأتى بأثر عكسى، بعدما انتهت المعركة، تحدثت معه في هذه الأخطاء، فتركت في نفسه شيئا من الغضب والمرارة، وبعدها بدأ في فكرة إقصاء كل من حوله، وفصل منير فخرى عبد النور من الحزب دون استطلاع رأي أي شخص بطريقة مخالفة للائحة، وكانت العلاقات متوترة، وكنت حينها النائب الأول لرئيس الحزب، وكان السيد البدوى سكرتيرا عاما حينها، ووصل الأمر لاختلافه مع الهيئة العليا جميعها، التي قامت بفصله حينها".

وتابع: "عندما ترشحت لرئاسة الوفد كان الأمر بالتزكية، لم يكن هناك منافس لى في الانتخابات، اللائحة في الماضى لم تكن تحدد مدة الرئيس، كانت المدة مفتوحة وليست مثل الحين مدتين فقط، نعمان جمعة استمر لـ6 سنوات في رئاسة الوفد، إلى أن فصلته الهيئة العليا، كنت رئيسا لمدة واحدة أربع سنوات فقط، ثم ترشح أمامى السيد البدوى، وفاز على في الانتخابات". 

تطرقنا مع أباظة إلى أبرز المشكلات التي واجهته خلال رئاسة الوفد والأزمة المالية التي يعانى منها الحزب فأجاب:
"وقت رئاستى الوفد لم تكن هناك أزمة مالية، وكان لدينا استقلال مالى تام، وكان حساب الوفد به ما يزيد على الـ 90 مليون جنيه من تبرعات أعضائه ومحبيه عبارة عن ودائع في البنوك، فؤاد سراج الدين بدأها ونعمان جمعة واصلها وأنا أيضا استمررت في وضع الودائع للحزب، وعندما توليت رئاسة الحزب كان به 68 مليونا ودائع وتركته بـ91 مليونا، كنا نسحب من فوائد الودائع وهى كما هي، والجريدة الناطقة باسم الحزب كانت تدر دخلا، لكن الوقت الحالى الحزب لديه ديون بـ40 مليون جنيه، والأزمة المالية الحالية سببها سوء الإدارة المالية، ولدى وثائق بما تركته من أموال للوفد، بـ91 مليونا، كانوا يدرون فوائد تقدر بـ7 ملايين جنيها سنويا، والجرنال كان يصرف 4 ملايين سنويا، وما أريد أن أقوله هنا إن سوء الإدارة المالية يؤثر على قدرة الحزب السياسية، الأزمة المالية أضعفت الحزب للغاية". 

أباظة تحدث عن حلوله المقترحة كي يتجاوز الوفد أزماته المالية قائلا:
" كان هناك أخطاء كثيرة في عهد رئيس الحزب السابق الدكتور السيد البدوى، ونسعى حاليا لحل الأزمة المالية، لأنه دون حلها حلا جذريا لا يوجد أمل في الوفد، لابد من إعادة هيكلة الجريدة والبحث عن طرق مبتكرة لتمويل الحزب، ومنها تبرعات الأعضاء وزيادة الاشتراكات، وأن تمول كل محافظة نفسها ماليا بعيدا عن الحزب".

وواصل: "الأحزاب تعيش على تمويل أعضائها وليس على أمر آخر وقد تعودنا أن يعيش الحزب على أموال الدولة، أي أموال الشعب وهذا لا يؤدى إلا إلى نظام الحزب الواحد دائما، ولا بد من فرض الاشتراك على الأعضاء وأيضا الاشتراك في الجريدة يكون إلزاميا لكل عضو اشتراك سنوى في الجريدة، لو لم نستطع تمويل الجريدة ستغلق بالفعل، الحزب عليه ديون 40 مليون جنيه للتأمينات الاجتماعية والأهرام وبعض موظفي الحزب".

وعن الخلافات داخل الوفد والصراع المستمر بين قياداته قال :
" الخلاف أمر صحي وموجود في كل الأحزاب، والوفد أطلق عليه بيت الأمة لأنه كان يضم بين جنباته أعضاء من اليمين واليسار والوسط كلهم تجمعهم قضايا وطنية واحدة، أما عن حجم الخلافات فهى أمر نسبى، نظرا لأن الوفد دائما به كتلة حرجة وتحسم الأمر في النهاية".

صورة الوفد
وعن رؤيته للأوضاع الحالية وكيف تعبر مصر أزماتها قال:" القضية الرئيسية حاليا هي التنمية، والمصريون ليسوا عابرى سبيل في هذا الوطن بل هم أصحابه، لابد أن نعيد بناء المرافق العامة التي تآكلت، نحن من أوائل دول العالم التي دخلتها السكك الحديدية لكنها انهارت، الطاقة بذلنا جهدا كبيرا فيها، التعليم، والصحة أيضا مشكلة كبرى، الريف المصرى لا نزال نعيش في العصور الوسطى، كتبت كثيرا عن الفلاح، الذي يبعد عنه التأمين الصحى والمعاش، لو نجح مشروع التأمين الصحى سيدخل السيسي التاريخ، هذه الأمور لا تحدث بين يوم وليلة لكنها تحتاج إلى الكثير من العمل والتعب".

وتابع: "أتمنى أن يتبنى الوفد هذه القضايا وأن يدعمها، ونقاط التقصير، وطرح قضايا أخرى، ومنها سياستنا الخارجية في عالم مضطرب، في منطقة تتحلل وتتفكك لدينا السودان والفلسطينيون، الموجودون على حدونا والعراق وسوريا وليبيا، كل هذا يحتاج إلى سياسة فاعلة ودعم شعبى وحوار، لدينا أكثر من 65% من المصريين تحت الـ30 عاما، هذا الشباب يحتاج إلى الإعداد للعمل، ولا يكون أمله الوحيد هو المغادرة، كل هذا واجب الأحزاب والدولة والنخبة السياسية التي تنشغل بصراعاتها الداخلية بعيدا عن القضايا الأساسية".

أباظة يعترف أن الوفد فشل في ملء الفراغ الموجود على الساحة السياسية في السنوات الأخيرة قائلا:"
كان أمام الوفد فرص لم يحسن استغلالها، أتمنى أن يعود الوفد ولدى أمل في عودته، في الوقت الحالى الأستاذ بهاء أبو شقة رئيس الحزب الحالي أقدر الموجودين على لم شمل الوفد، شريطة أن ينجح في تجاوز الصراعات الداخلية، وأقول دائما إن دور رئيس الحزب بصفة عامة، ودور رئيس الوفد بصفة خاصة هو جمع الشمل، وأبو شقة جمع الشمل إلى حد ما".

يرى أباظة أن التجربة البرلمانية الجديدة لم تنضج بالشكل الكافى الذي يجعل الحكم عليها سهلا:
"أرى أن التجارب في بدايتها يكون فيها قصور، عشنا فترة طويلة في ظل الحزب الواحد ثم الحزب المسيطر في عهد مبارك، لم يعد لدينا حاليا حزب واحد أو حزب مسيطر، المفترض هناك تعدد، حتى الأغلبية في البرلمان هي أغلبية مكونة من أحزاب متعددة، فهى صيغة طيبة لكن يجب أن تكون مبنية على توافق، حتى يحدث الأفضل، لكن لابد من التنبيه على نقاط التقصير، وهو أيضا دور الأحزاب ودور كل من ينشغل بالشأن العام، وأعتقد أن الهيئة البرلمانية لحزب الوفد تحتاج إلى مزيد من التماسك والتنظيم".

وتابع:" أعتقد أن البرلمان يحتاج وقتا أطول للتعود على الآليات الخاصة به، كان لدينا حزب أغلبية في الماضى لا يتغير، بالتالى كانت الانتخابات تعكس إرادة الحاكم، حاليا لدينا ضمانات لعدم تزوير الانتخابات، وهناك بالفعل تغيير عن ذى قبل، لكننا لم نتعود عليه، نحن في مرحلة تعود، دائما سيكون هناك من يطبل، في أي مكان حتى في الدول الديمقراطية، كثير من النواب في مجلس الشيوخ الأمريكى لا يوافقون على ما يفعله ترامب، لكنهم يصوتون لصالحه، أتمنى أن الحياة النيابية تنشط أكثر وتنضبط أيضا أكثر"..

يرفض رئيس الوفد الأسبق فكرة اندماج الأحزاب ويشرح وجهة نظره في التمسك بوجود أكبر عدد من الأحزاب على الساحة قائلا:
"لا يضايقنى أن يكون هناك مائة حزب على الساحة، قبل الثورة كان هناك أكثر من 50 حزبا، منهم 45 حزبا لم نكن نسمع عنهم، وبعضهم مقراتهم في قهاوى، ومع ذلك لم يكن هناك غير ثلاثة أحزاب نشطة، وأقولها: الأحزاب مثل الدوري لدينا الأهلي والزمالك، هل يعنى ذلك غلق باقى النوادى، لكن الائتلاف والاتفاق لا بأس منه، نحن في دولة قبل سنوات طويلة لم يكن هناك حزب يحصل على الأغلبية، فلا يوجد مانع من الائتلاف مع بعضها وليس الاندماج، الأحزاب واقع موجود يجب التعامل معه كما هو، الجميع يعلم الأحزاب الكبرى وفقط، وأخشى أن يكون وراء فكرة دمج الأحزاب الرجوع مرة أخرى للحزب الواحد أو الحزب المسيطر".

وعن سياسة تدمير الأحزاب من الداخل كان الرد صريحا:
"هناك تعود قديم بتعليق الأخطاء على شماعة الغير، عندما تحدث مشكلة يكون الحزب مسئولا عنها، نقول حينها إنها من الخارج، ما يحدث في الأحزاب كما يحدث أيضا في الدول، مشكلات الداخل تؤدى لتدخل الخارج دائما"..

وعن رأيه في بعض الدعوات التي تطالب بتغيير الدستور وخصوصا المادة المتعلقة بمد فترة الرئاسة قال أباظة:
" أعتقد أن التفكير في مد فترة الرئاسة ليس الاجتهاد السليم في ذلك الوقت، لأن مدد الرئاسة لابد أن تكون محددة وفقا لما تم الاستقرار عليه في الدستور، وأعتقد أن مدة الأربع سنوات قصيرة، وأرى أن مدة رئيس الجمهورية لابد أن تكون أطول من مدة مجلس النواب، ولابد أن يكون لديه الإمكانية أن يتعدى عليه مجلسين، نظرا لأن لدينا نظام شبه برلمانى، شبه رئاسى، الارتباط بين رئيس الجمهورية ومجلس النواب ضرورى، وفى النهاية فلنعط لمن وضعوا الدستور ومدة الرئاسة فرصتهم لربما تكون صحيحة، التغيير حاليا سيخلق مخاوف بين الشعب، لكن إذا نشطت الحياة السياسية ستكون الصورة أوضح وسيكون هناك اطمئنان لمن يخافون من تغيير المدة، لكن التغيير حاليا سيضع بؤرة صديد في الحياة السياسية مثلما جاءت فكرة التوريث، الجميع سيضع غضبه في هذا الأمر".

وعن سبب أحاديث المصالحة مع الإخوان قال أباظة
: "للأسف أجهزة الأمن في فترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك كانت تستخدم الإخوان لضرب الأحزاب اليسارية والناصرية، وكانت تتصور أنها بتلك الطريقة يمكن أن تسيطر على المعارضة، لكن مع الوقت نجح الإخوان في اللعب مع النظام وانتصروا عليه، ونجحوا طوال 30 عاما في حكم الرئيس مبارك في التغلغل في كافة مفاصل الدولة، وبنوا إمبراطوريات اقتصادية جبارة، وللحديث عن المصالحة مع الإخوان لابد أولا من تكسير الأصنام داخل الجماعة، والأصنام هي التنظيم نفسه الذي يجب حله فورا، وبعد أن يصبح الإخوان مواطنين عاديين ممكن وقتها أن نتكلم عن المصالحة معهم، لأن استمرار التنظيم خطر، فالإخوان لهم مشروعهم الخاص"..

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..
الجريدة الرسمية