التابلت المدرسي ونظرية «الحتمية التكنولوجية»!
في ظل الأخبار عن المدارس التي يتم نقل طلابها لمدارس أخرى لأسباب لا يعلمها إلا الله، ومن بعده مديرية التربية والتعليم، مثلما حدث في مدرسة نجع المنشية الإعدادية الجديدة بأسوان والتي تم نقل جميع طلابها إلى مدرسة عوض عبد العزيز دون سبب واضح، أو الأخبار عن المدارس التي لم يستطع الطلاب الوصول إليها بسبب الحصار الذي فرضته مياه الصرف الصحي، كما حدث في مدرسة الزهراء الابتدائية في السويس، تنتظر وزارة التربية والتعليم تسلم 708 آلاف جهاز من أجهزة "التابلت" لتوزيعها على طلاب ومعلمي الصف الأول الثانوي.
هناك العديد من المدارس الحكومية في مصر تحتاج لبنية أساسية، وبنية تكنولوجية ومعامل. وبعضها يفتقد بالطبع للأثاث المدرسي الجيد. التقرير الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مارس الماضي حدد عدد المدارس الحكومية في بـ 52 ألفا و664 مدرسة، من بينها 2226 مدرسة ثانوية، وبإجمالي عدد طلاب يبلغ مليونا و426 ألف طالب.
فما هو عدد المدارس الثانوية الحكومية التي يمكن أن تضاهي المدارس الخاصة الجيدة المستوى في بنيتها الأساسية، وتجهيزاتها المكتبية، وجاهزية معامل الكمبيوتر، ومعامل الكيمياء والفيزياء؟ وكم هو عدد المدارس الثانوية الحكومية التي توفر بيئة صحية نظيفة للطلاب وملاعب متطورة، وجيمانزيوم، وكافيتريات بطهاة متخصصين بدلًا من الوجبات المدرسية.
لاحظ الفكر الذي يسيطر على واضعي استراتيجيات التعليم في مصر، الذين يظنون أن التكنولوجيا ستطور التعليم، في حين أن تطوير البنية الأساسية للمدارس وتجهيزها لتضاهي مستويات المدارس الأجنبية الراقية في مصر، أفضل من مليار تابلت للطلاب في مصر. بل إن تجهيز وتطوير عشر مدارس حكومية ثانوية سنويا بمستويات تضاهي المدارس الأجنبية أفضل من مشروع "التابلت" المدرسي الذي تتباهى به وزارة التربية والتعليم.
يذكرني مشروع "التابلت" المدرسي بفكرة تنظيم مصر لكأس العالم، والتي ظن مقترحوها أن الطبل والزمر والرقص أمام اللجنة التي جاءت من الـ«فيفا» كاف لفوز مصر، وكان كل من يقول إن مصر ليس لها الإمكانيات التكنولوجية ولا حتى البنية الأساسية يتم اتهامه بعدم الوطنية، ويتم نصحه بأن يرتدي "التيشيرت" ويذهب لاستقبال اللجنة المنظمة.
مشروع التابلت المدرسي سيفشل ليس لأن الفكرة خاطئة، ولكن لأن أصحاب المشروع غارقون في أحلام "الحتمية التكنولوجية" والتي تقول إن التكنولوجيا صالحة لكل زمان ومكان وأنها من تخلق التغيير.
هكذا أوهمت الدول الصناعية العالم وغسلت دماغ حتى القائمين على التعليم في العديد من الدول، فالدول تتطور بتطوير الظروف الاجتماعية والاقتصادية، والبشر هم من يؤثرون في التكنولوجيا وليس العكس. وعندما تتطور بيئة المدارس وإمكانياتها، ويتم القضاء على مشكلة تكدس الطلاب في الفصول، والأهم من ذلك عندما يتم تطوير المعلم وتوفير أدوات التعليم المساعدة له، وتحسين دخله، حتى أنه يرفض السفر للخارج للعمل مفضلا المدرسة الحكومية..
وعندما يصبح طلاب المدارس الثانوية قادرين على إتقان مهارات التحدث والكتابة والاستماع للغة الإنجليزية، وقتها يكون "التابلت" المدرسي ضرورة. أليس من المضحك المبكي أن يتم التفاخر باستخدام الطلاب للتابلت ومهارات اللغة الإنجليزية لدى معظم طلاب المدارس الحكومية ضعيفة للغاية والندرة منهم لا تستطيع قراءة اللغة الإنجليزية على التابلت.
أتعرفون لماذا حرصت الوزارة على مشروع "التابلت" المدرسي رغم أن هناك أولويات أهم في قضية التعليم؟ لأن قضية الأولويات ليست مطروحة دائما، ولأن تصوير الطلاب بالتابلت "هيخلي الصورة حلوة".. المهم ألا ينسى المصور إخفاء الكراسي والشبابيك والحوائط، وإذا كان يفضل أن يأخذ الصورة في "الحوش" فعليه أن يتأكد أن دورات المياه غير موجودة في خلفية الصورة. والأفضل أن يستعين "بالفوتوشوب" بحيث يظهر طلاب المدارس الثانوية الحكومية وهم يمسكون "التابلت" في فصول مدرسة بكندا أو الولايات المتحدة.