متى تستعيد النخبة الوعي المفقود؟!
لا شك أن مصر تمر بفترة دقيقة في تاريخها الحديث، السؤال الآن أين الطبقة المثقفة في كافة المجالات، أين عطاء وفكر علماء الاقتصاد، السياسة، الثقافة.. إلخ، أين دور المجتمع المدنى في أحداث تغيرات إيجابية في مصر المستقبل؟ هناك مدن جديدة تبنى، ومشروعات تقام، ولكن الإنسان الذي يجب أن يكون الهدف الأساسي في كل ما يبنى ويشيد!؟ أشعر أن الجميع ينتظر، ودوره المشاهدة فقط!
وبعودة للتاريخ يعتقد الكثير من المؤرخين والسياسيين أن الرئيس الأسبق أنور السادات أعاد تنظيم الإخوان فجأة وبدون استشارة أحد، ولكن الحقيقة غير ذلك كما حكى لى المفكر الكبير د.مراد وهبة الذي قال: "في بداية السبعينات اجتمع الرئيس السادات في جامعة القاهرة مع جميع هيئات التدريس، وقد أعلن أنه يفكر في إخراج الإخوان من السجون.. فلم يعترض أحد"، وبالتالى أرى أن الجميع شارك السادات في قراره بإخراج هذا التنظيم من السجون!
وأضيف أننى لا أذكر مقالا واحدا اعترض على خروج هذا التنظيم لممارسة نشر فكره أمام الجميع، بل وبحماية من السادات شخصيا، وأعتقد أن هذا القرار مع ما سمى الانفتاح الاقتصادى وتفشى دور الجماعات الإرهابية أفقدت الدولة المصرية أمرين، الأول السيطرة على مفاصل الدولة التي زرع فيها عناصر من جماعات التطرف الذي نعانى منه حتى الآن، وأيضا جعل اقتصاد الدولة في السوق السوداء من أصحاب اللحى وغيرهم من الراسمالية الطفيلية الانتهازية، أين كان المثقفين في كافة المجالات هنا؟!
للأسف ومنذ رحيل الرئيس جمال الناصر تبخر حلم المشروع ليس العربى والوحدة بل اختفى المشروع للنهوض بمصر وأصبح الجميع مشغولا في قضية خاصة به، وهذا كان لصالح الفكر الأصولى الهدام، والجميع يعلم جيدا أن التيارات الأصولية لم تعاد الغرب مطلقا، بل دائما كان الغرب مساندا لها منذ بداية حركة الإخوان في 1928، وفى 25 يناير عندما لم نجد أي حزب على الأرض بما فيهم الأحزاب القديمة مثل الوفد والتجمع الذي يضم كل أطياف اليسار تقريبا، وضح إفلاس المجتمع السياسي، وعجزت القوى المدنية على تقديم شىء يذكر، فرجحت كفة الإخوان!
يشكو الكثير من المثقفين من هذا الوضع، ولكنهم يتجاهلون أنهم السبب الحقيقى بانشغالهم بانفسهم واهوائهم وتركوا الميدان لقوى السلفية تفعل ما تريد على مدى أربعين عاما، وحتى الآن القوى الأصولية السلفية تنتشر وتمارس نشاطها والمثقفين في حالة نيام وتوهان، وان لم يعترفوا بتقصيرهم ومسئولياتهم فلا رجاء منهم مطلقا..
وهنا أذكر مثالا من راعية الحريات كما تدعى أمريكا، اعلنت عقوبات على روسيا وطالبت شركاتها مقاطعة الروس، اعترضت النخبة الأمريكية وأعنى بالنخبة في جميع المجالات، ورفضت شركات البترول تنفيذ قرار الحكومة لأسباب كثيرة، ولكن أهمهم أنهم لم يتم أخذ آرائهم قبل إعلان القرار الحكومى والسبب الثانى خسارة المليارات التي ستتكبدها شركات البترول وغيرها! هذا دور مهم ودرس مهم لمن يريد التعلم سواء الحكومات أو قوى المجتمع المدنى.
السؤال: متى نشعر خاصة المجتمع المدنى -بعد التأكد من أن الحكومات المتعاقبة لا تقدم شيئا- أن مصر الآن تحتاج ثورة فكرية في جميع المجالات الاقتصادية، الثقافية، الاجتماعية..إلخ، وذلك للنهوض بمصر جديدة تليق بمستقبل أفضل لأجيال تستحق الحياة!؟
لن تقدم الحكومات شيئا والدور الآن على المجتمع المدنى الحقيقى الذي يبنى ولا يهدم، المجتمع المدنى الذي يدرك جيدا أن التقدم التكنولوجى ليس كل شىء وأن هذا التقدم لم يصاحبه تقدم في القيم وإصلاح العقول والقلوب.
وتحيا مصر