«القصبي» ليس استثناء في التاريخ السياسي للصوفية بمصر.. مجلس قيادة ثورة 23 يوليو استعان بها لمواجهة الإخوان.. ارتفعت أسهمها مع تولي السادات الحكم.. توهجت خلال ثورتي 25 يناير و30 يونيو
قبل أيام اختير الدكتور عبد الهادي القصبي، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، رئيسًا بالتزكية لائتلاف دعم مصر، ورغم لعب الرجل أدوارًا سياسية متعددة، وشغله مواقع تؤهله لهذا المنصب، بداية من عضويته في مجلس النواب، وقبله مجلس الشورى المنحل، نهاية بدوره في حزب مستقبل وطن، إلا أن خلفيته الصوفية، تضفي عليه طبيعة خاصة، وتجعل الطائفة كلها محل تساؤلات لا تنتهي.
الصوفية والسياسة
طوال الأيام الماضية، ومع الصعود الكبير للقصبي، والبحث عن مستقبل الصوفية مقارنة بالإخوان والسلفيين، على ألسنة الكثير من الباحثين، والمهتمين بالشأن العام، وهل كان القصبي استثناء في تاريخ الصوفية المعروفة بزهدها في السياسة والسلطة، أم أنها منذ نشأتها في مصر، وهي ليست ببعيد عن الشأن العام والسياسة وهموم المجتمع.
تشير وقائع التاريخ إلى أدوار محورية للصوفية، تبوأتها للدفاع عن الدولة المصرية، في مواجهة أخطار لا يمكن حصرها، وفي المقابل كانت الدولة على علاقة طيبة معها، وكانت تشجعها دائما على ممارسة دور سياسي، بسبب شغف المصريين بها، وانتشارها بين جميع طوائف المجتمع.
ثورتا 25 يناير و30 يونيو
وفي ثورتي 25 يناير و30 يونيو، ظهرت ملامح الدور السياسي المتزايد للصوفية، التي ناصبت الإخوان العداء، وانحازت في ثورة يناير للقوى المدنية مقابل تحالف الجماعة والسلفيين، سواء في إقرار الإعلان الدستوري، أو ما تلا ذلك من أحداث، ولم يكن رفض المنهج الإخواني، مرهون بالتناقض والعداء التاريخي مع الصوفية، التي تكفرها الجماعة وأطياف كثيرة خارجة من عباءتها، بل كان الرفض الصوفي سياسيًا أكثر منه عقائديا أو أيدلوجيا.
ضد الإخوان
الموقف المعلن من الصوفية ضد الإخوان والسلفيين طوال 8 سنوات، له امتدادات تصل إلى ثورة يوليو 1952، ويكشف عمرو رشدي، الباحث في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، في ورقة بحثية له، أن ضباط الثورة اهتموا بالحركة الصوفية، ووضعوها في مواجهة الجماعة، ووفروا لها دورًا سياسيًا، وبالفعل ازدهرت العلاقة بين مجلس قيادة الثورة ومشايخ الصوفية، التي أعطت للثورة وقراراتها تأييدا مفتوحا.
الصوفية والناصرية
ويرى رشدي، أن الأمر لم يختلف كثيرًا بعد تولي الرئيس السادات حكم مصر، وهو مهندس الصفقة بين الصوفية والناصرية بالأساس، بل برزت الطرق الصوفية على الساحة بشكل مكثف، في مقابل دعم وتأكيد نظرية الرئيس المؤمن، الذي كان حريصا بدوره على حضور احتفالات الطرق الصوفية في المساجد الشهيرة بالقاهرة والمحافظات.
مقر المشيخة العامة
كان السادات يوفد مبعوثًا رسميًّا نيابة عنه من الرئاسة لحضور هذه الاحتفالات، إذا لم يتح له انشغاله بالحضور، ليتوج التحالف بين الثنائي بإنشاء مقر للمشيخة العامة للطرق الصوفية، وإصدار قرارا رسميا بدعم حكومي بلغ 30 ألف جنيه، لمجلة التصوف الإسلامي، وهي لسان حال الصوفية في مصر.
جهاد مواجهة الإخوان والسلف
علاء أبو العزايم، شيخ الطريقة العزمية، يعتبر أن اقتحام الصوفية للعمل السياسي بعد ثورة يناير، كان ضرورة لمواجهة استحواذ الإخوان والسلفيين على السياسة، والسلفيون على وجه الخصوص بما هو معروف عنهم من تطرف وتشدد، وهو الأمر الذي كان يراه مؤشرات خطرة، تهدد التسامح الديني المعروف عن البلاد.
تفوق السلف والإخوان، وتولى الجماعة زمام الحكم، ضرورة لإعادة الصوفية لسدة الحياة النيابية من جديد، هكذا يرى أبو العزايم، الذي لم يكن مستغربا آنذاك من توحش الإخوان والسلف، بما أجبر الصوفية على انتهاج طريق القوى المدنية والليبرالية، وهو ما توج مواقفهم من استيفاء مارس 2011، الذي تبنت فيه الصوفية التصويت بـ «لا»، مرورا بانضمامها إلى برنامج «الكتلة المصرية».
الشيخ طارق الرفاعي، شيخ الطريق الرفاعية، ترشح هو الأخر على قوائم حزب المصريين الأحرار، وقدم نفسه للجمهور سياسيا من خلالها، وانسحب فيما بعد لصالح الدكتور عمرو الشوبكي، في خطوة احترمها الجميع، بما أكد أن الصوفية على درجة كبيرة من النضج السياسي، ما مكنها من اللعب لاحقا على الأخطاء القاتلة للإخوان والسلف، الذين عادوا الجميع، فاستحقوا مصيرهم.