أحمد مكي.. لماذا تُفسد ذوق الجمهور؟!
"الجمهور عاوز كده".. تلك هي الجملة التي يقذفها "تُجَّار الفن الجُدد" في وجوه منْ ينتقدون أعمالهم التافهة.. يتحججون دومًا بالجمهور، يزعمون أنه لا يقبل على الفن الهادف، كذبوا على أنفسهم وصدقوا كذبتهم.. أفلامُ السينما تذخرُ بالمشاهد الفاضحة والإسقاطات الجنسية، لا تدافعُ عن قيمة إنسانية ولا تنحازُ لمبدأ أخلاقى.
وعلى النهج ذاته.. سارتْ المسلسلاتُ التليفزيونية، بما فيها الدراما الرمضانية، وقِسْ على ذلك البرامجَ الإذاعية والتليفزيونية، وكلما اعترضَ مُعترضٌ، يجىءُ الردُّ سريعًا: "الجمهور عاوز كده"، ولكنَّ الفنان "أحمد مكى" أكد عمليًا أن من يتبنون هذا المبدأ كاذبون ومخادعون، وليسوا أكثرَ من "مُرتزقة".
الفنُّ بالنسبة لهم مجرد " بزنس رخيص"، بصوتٍ أجشَّ، وبطريقةِ "فرانكو أراب"، وعبرَ 566 كلمة، أثبت "مكى" في أغنيته الجديدة "أغلى من الياقوت"، التي تقمصَ فيها دورَ المُؤلف والمُطرب والمُخرج أنَّ الجمهور يتوقُ إلى العمل الفنى الهادف والجيد ولا يتخذُه مهجورًا.. الأغنيةُ التي تتضمنُ نصائحَ ووصايا أبٍ لابنه حققتْ فور طرحِها على موقع الفيديوهات المصورة "يوتيوب" أكثرَ من 6 ملايين مشاهدة خلالَ وقتٍ قياسىٍّ.
الكليب بسيطٌ جدًا، ومدته 6 دقائق، ولا يتضمنُ عناصرَ الإبهار والإثارة التي يحشدُها معظم المطربين في أغنياتهم المُصورة، بلْ يتضمنُ موعظة إنسانية وأخلاقية "أغلى من الياقوت"، يتحدثُ خلالها الأبُ "مكى" إلى ابنه "أدهم" ذى السنوات العشر، يستهلُّها بالتأكيد على أن يوم ميلاده كان أسعد أيام حياته:
"أول ما شوفتك/ الدنيا لفِّت بيا/ ربى حبنى/ ووهب ليا من عنده هدية".. ثم يدعو الله له قائلًا: يا رب يا كريم/ اهدينى وقوِّينى/ ووفّقنى لسكة تربيته/ على الشيء السليم".
ويرسمُ "مكى" حالة المسئولية التي يشعرُ بها الإنسانُ السوىُّ عندما يصبحُ أبًا بقوله: "وأنا أوعدك يا رب/ ححاول أبقى أحسن أب/ وادِّيه اللي ما شوفته/ في نهر طفولتى اللي نضب".
ويظل "مكى" يتحدثُ من طرفٍ واحدٍ مع ابنه حتى يكشفَ له عن مكنون كلِّ أبٍ نحوَ أبنائه في مجتمع لم يعدْ مثاليًا: "خايف عليك من الدنيا يا ابني/ مالهاش أمان/ وبدعي ربنا يحميك ويصونك/ هو الرحمن".
وفى موضع آخر يقدمُ له حزمة من النصائح للمستقبل قائلًا: "خليك واثق في نفسك /عن حلمك إياك تحيد/ مهما اسَّوَد الليل وطال/ هيطلع فجر جديد/عاوزك لربك شاكر/ وجهد الناس تقدَّر/ واوعى تظلم/ مهما كنت قادر/ ربك أقدر".
وهكذا تمضى كلماتُ الأغنيةِ حتى يُعبِّرَ الأبُ عن مخاوفِه من تعرضِه لما يتعرضُ له بعضُ الأباء في آخر عمرهم من تخلى ذويهم عنهم بقولِه: "خليك عينيا/ نوَّر لي طريقي لمنتهاه/ وافتكر إني من علمك معنى الحياة"، ثم يرجوه في ختام وصاياه: "كلمتين حقولهم عندي أغلى من الياقوت/ كنت معاك يوم ولادتك/ عاوزك جنبي يوم ما أموت".
والسؤالُ: لماذا أقبل الجمهورُ على الأغنية، ولم يسخرْ منها ومنْ صاحبها، ومن معناها الإنسانى الراقى؟ والإجابة: لأنَّ الجمهور المصرى لا يزال يتطلعُ إلى فنٍ يرتقى به ويوجهُه ويقودُه إلى بر الأمان.. "أغلى من الياقوت" تؤكدُ أنَّ مرتزقة الفن هم منْ ظلموه وأفسدوا ذائقته وأتلفوها.. شكرًا يا "مكى".