الترشيد يبدأ بالكبار.. مطالب بتطبيق التقشف على الوزراء والبرلمان.. التراجع عن زيادة معاشات الوزراء «الأبرز».. وخبراء اقتصاد: الانضباط المالي «هو الحل»
الحديث عن ترشيد الإنفاق ليس مخاطبا به الغلابة، بل هو موجه في المقام الأول للأكابر، وعلى رأسهم الوزراء وأعضاء مجلس النواب، فهم أصحاب الدخول الفلكية التي تأتي من خزينة الحكومة مباشرة، وبالتالي هم الأجدى والأجدر بدعم مصر في أزمتها الاقتصادية.
ولأن الخطة الاقتصادية الناجحة تبدأ دائما بترشيد النفاق، وهو ما حرص المسئولون على توصيله للمواطنين، بحثهم على التقشف، فإن البداية الصحيحة لابد أن تكون من الحكومة والبرلمان، فرغم أن المسئولين أعلنوا بدء إجراءات ترشيد إنفاقهم إلا أنهم نسوا أن يطبقوا تلك الخطط على أنفسهم، وفي الآونة الأخيرة ارتفعت أصوات الجماهير مطالبة الوزراء وأعضاء البرلمان وكبار الموظفين بتطبيق خطة الترشيد على أنفسهم أولا.
ترشيد الحكومة
وفي هذا الشأن تحدث الرئيس السيسي مرارا وتكرارا عن تقشف الحكومة في ظل الخطة الاقتصادية، حيث أكد في أكثر من موضع آخرها خلال فعاليات المؤتمر الوطني السادس للشباب، أن بعض الشخصيات رفضت تولي الحقائب الوزارية بسبب تدني العائد المادي، وفضلوا أعمالهم الخاصة التي يتربحون منها أضعاف الراتب الحكومي، وإن كان ذلك يدل على شيء فإنما يدل على تولي خطة جيدة للتقشف.
البداية كانت عام 2016، عندما وافق مجلس الوزراء في اجتماعه، على قرارات اللجنة الوزارية الاقتصادية الصادرة، بترشيد وخفض الإنفاق في جميع الوزارات والمصالح الحكومية والشركات ووحدات الجهاز الإدارى للدولة بنسبة تصل إلى ٢٠%، دون المساس بالأجور والرواتب والموازنة الاستثمارية، وخفض التمثيل الخارجى في البعثات التابعة للوزارات بنسبة ٥٠%، والاستفادة من الكوادر الموجودة بوزارة الخارجية في إنجاز أعمال هذه البعثات.
جددت الحكومة المبادرة مرة أخرى في يونيو الماضي، عندما دشنت بتوجيهات من الرئيس، برنامجا لخفض الإنفاق بمختلف الوزارات ضمن إجراءات التقشف الحكومي، وجاءت في مقدمة الجهات الحكومية وزارتا الزراعة والآثار، وقررتا وقف صرف المكافآت والحوافز وبدل السفر والانتقالات، وعدم صرف أي حوافز إضافية على الراتب إلا للضرورة القصوى، وإعداد تقرير مفصل عن سيارات الوزارتين لتخفيض عددها، ولكن سيظل التساؤل هل تلك الإجراءات يتم تنفيذها أم أنها مجرد كلام على ورق؟!
رغم تلك التوجهات والإجراءات، فإن الحكومة اتخذت بعض الإجراءات ضد التقشف استفزت المصريين، وعلي رأسهم زيادة مرتبات الوزراء في أبريل الماضي إلى 42 ألف جنيه شهريا، واستبعاد السيارات في بعض الجهات الحكومية من خطة ترشيد الاستهلاك،
البرلمان
المحطة الثانية التي لابد أن يقف عندها ترشيد الاستهلاك "البرلمان"، فقد أكد "على عبدالعال" رئيس البرلمان أن رواتب أعضاء البرلمان تأتي في ذيل القائمة من 187 دولة، "فهي محددة طبقًا للقانون وهي خمسة آلاف جنيه في الشهر، ولا يتقاضى أعضاء البرلمان غير بدل جلسات لا يتعدى 180 جنيهًا على الجلسة، وتذاكر سفر بالنسبة للمحافظات النائية مثل البحر الأحمر والوادي الجديد وأسوان وغيرها من محافظات مصر، وذلك هو المعمول به في كل الدول بما فيها الدول الأقل منا نموًا أو دخلًا".
وقال "عبد العال"، خلال مشاركته في جلسة "اسأل الرئيس" بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي ضمن المؤتمر الوطني السادس للشباب المنعقد بجامعة القاهرة في يوليو الماضي، إن مجلس النواب من الجهات التي بادرت إلى التقشف، وتم إلغاء كل المعاملات الورقية وأصبح التعامل إلكترونيًا، موفرًا بذلك أوراقًا وأحبارًا بمبالغ كبيرة جدًّا، مشيرًا إلى أن المجلس أوقف التعيينات منذ يناير 2016، وأن عدد العاملين بالمجلس انخفض من 3200 إلى 2800 موظف.
وكما يقول المثل «ما يعطونه باليمين يأخذونه باليسار»، فقد انفق البرلمان في يناير من العام الماضي 18 مليون جنيه لشراء 3 سيارات ملاكي للمجلس، وتم تمويلها من موازنة العام المالي 2015 /2016، والغريب أن المجلس يمتلك أسطولًا كبيرًا من السيارات التي تم شراؤها أثناء فترة عمله في السنوات السابقة، فلماذا لا يتم استغلال هذا الأسطول بدلًا من شراء سيارات جديدة بهذه التكلفة الباهظة.
معاشات الوزراء
المحطة الثالثة لترشيد الاستهلاك، تكون بالتراجع عن زيادة معاشات الوزراء، وبالفعل وافق البرلمان في يوليو الماضي على على قانون تخفيض معاشات الوزراء، الذي واجه عاصفة من الترحاب من قبل المواطنين، حيث يتضمن قواعد جديدة لحساب معاش رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء وأعضاء الحكومة والمحافظين ونوابهم على أساس مدة شغل المنصب الفعلية، وبالتالى لا يقل المعاش عن 25% ولا يزيد على 80% من قيمة آخر راتب أو مكافأة.
الخبراء
الواقع يقول أن هناك بعض القصور في اتخاذ القرارات وتنفيذها، وهو ما عالجه الخبراء في تصريحاتهم لـ«فيتو»، فقد قال "خالد الشافعي" كل تلك التصريحات والإجراءات هباء، ولا توجد خطة معينة لدى الحكومة أو البرلمان لترشيد الإنفاق، فالخطة الحقيقية لابد أن تشمل الإمكانيات والآليات والطرح العام وما يستلزمه من معايير في وقت زمني معين وننتظر نتيجة معينة، وكل هذا تفتقده خطط الحكومة لترشيد الإنفاق.
أكد الخبير الاقتصادي أن كل جهة مسئولهة لابد أن تعتمد على الذات في إنفاقها، دون أن تحمل الموازنة العامة أي أعباء جديدة هذا هو المعني الحقيقي للتقشف وترشيد الإنفاق، باستغلال ما لديها من طاقات مع مراعاة تحديد معايير الإنفاق، مشيرا إلى أنه ينبغي أن يكون لكل وزارة رؤية كاملة وواضحة تتماثل في كيفية ترشيد الإنفاق وزيادة الإيرادات، ومتابعة ذلك باستمرار.
الانضباط المالي
ومن جانبه، قال "علاء رزق" الخبير الاقتصادي، ترشيد الإنفاق لا يأتي إلا عندما تبدأ القيادات السياسية بنفسها، من خلال تقليص عدد الوزارات ودمجها لتصل إلى 18 وزارة، والإعلان بشفافية عن آليات الحكومة للتقشف كمنع استيراد خشب المكاتب من الخارج، وتقليص عدد موظفي مكتب الوزير، وخاصة أن المواطن أصبح لا يصدق الحكومة ولا يثق فيها، فإذا بدأت الحكومة سيبدأ الشعب بعدها، كل هذا لا يأتي إلا بزيادة الإيرادات والصادرات المصرية وعلي التوازي ترشيد الإنفاق، ليس المقصود التقليل ولكن سياسات تقشفية بفعل الشيء بأقل تكلفة، مشيرا إلى أنه لابد من اتباع إستراتيجية الانضباط المالي.
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن تجربة الانضباط المالية قادتها مصر سابقا عام 1899، عندما كانت تعاني من أزمة مالية واستغلها الاحتلال الإنجليزي، ولكنها استطاعت بقيادة الخديو إسماعيل النهوض مرة أخرى، وأدي ذلك إلى ظهور "طلعت حرب"، وبدأت مصر نهضة اقتصادية كبيرة.