رئيس التحرير
عصام كامل

أحزاب التوك شو


ليس من الحكمة الآن نسيان الأدوار المهمة التي لعبتها برامج التوك شو في هذا البلد، ولا الحراك السياسي التي كانت السبب الأساسي فيه، والدور الأهم في التمهيد لفَورة يناير والتصدي لمشروع التوريث الذي كان يسير بسرعة لم يَكبحه سوى تلك البرامج، ولا الثمن الذي دفعته تلك البرامج في كشف مؤامرات ما سمي بـ"الربيع العربي"..


وربما كانت تلك البرامج هي التي رفعت وعي الشارع، وسقف الأحلام في التغيير، وهي التي تصدت لهجمة الإخوان الشرسة وتجرؤها على مؤسسات الدولة العميقة، وربما يكون الفضل لتلك البرامج بعد مشيئة الله في مقاومة حكم الإخوان بمنتهى الشراسة والمهنية والخوف على الدولة المصرية..

حدث ذلك في الوقت نفسه الذي ذهب نحو ١٣ مليون مصري ليعطوا أصواتهم للإخوان في انتخابات الرئاسة، وفِي تلك الأيام قامت برامج التوك شو بمقاومة الإخوان وجماعتهم ومرشدهم ورئيسهم، والغريب أن الإخوان كانوا يعرفون قيمة تلك البرامج ولهذا اجتمع مرسي في الأسبوع الثاني من حكمه مع كل مقدمي برامج التوك شو ولم يستثن أحدا، وكانت الجماعة على استعداد لدفع أي ثمن لاسترضاء تلك البرامج، وعندما فشلوا أطلقوا كتائبهم وذبابهم الإلكتروني في أضخم حملة تشويه لبرامج التوك شو ومقدميها..

وللأسف وجدت تلك الحملة من يتعاطف معها دون وعي، وراحوا يكررون إعلام العار في برامجهم وعلى السوشيال ميديا لكسر هيبة ومصداقية تلك البرامج، ولو لم تقم ثورة ٣٠ يونيو لكان كل مقدمي ومعدي برامج التوك شو في السجون حتى الآن، وفِي تلك الأيام لم يكن هناك من يتصدى بقوة كل يوم سوى برامج التوك شو..

لدرجة أن الراحل محمد حسنين هيكل له تصريح شهير يقول فيه (المصريون لن يسمحوا بسقوط مرسي)، وكان يعبر عن رأي شريحة من المثقفين الذين راحوا يعقدون الصفقات مع مكتب الإرشاد في المقطم، وكان بعضهم ينصحنا بالتوقف عن تلك اللهجة العدائية، لأنها بمثابة جريمة للتحريض وقلب نظام الحكم..

وباختصار كانت برامج التوك شو هي التي حشدت ورفعت وعي الشارع، وحرضت الناس على رفض الباطل لرفع الخوف المتوارث منذ سنوات..

ولولا برامج التوك شو ما عرف الشارع مثلا حركة تمرد ولا قادة التحرير ولا مطالب الشارع خلال أربع سنوات عجاف من ٢٠١١ حتى ٢٠١٤، والمدهش أن فلول الجماعة الإرهابية تعرف حجم وتأثير التوك شو عكس الدولة العميقة التي ترى في تلك البرامج عبئا وترفًا سياسيا في غير وقته.

وراحت السلطة تسعى للتنظيم التشريعي بتطبيق نصوص الدستور بعد تأخير استمر ثلاث سنوات، وكان أن نزلت الدولة بثقلها في التنفيذ وليس في الإشراف، وكان الخطأ في إسناد الأمر لغير أهله، وكان أن أعماها من حيث أرادوا أن يكحلوها، وبدا المشهد الإعلامي في مصر كلها مرتبك، ولا حديث للناس إلا عن الإعلام عكس المنطق، حيث يفترض أن يتكلم الإعلام عن الناس، وليس العكس..

وبدا أيضا أن ما يؤرق السلطة ليس الإعلام لكن برامج التوك شو، رغم وجود عشرات البرامج الرائعة في المنوعات والرياضة والفن والدين والأغاني، أي إن المشكلة الحقيقية في التوك شو فقط، ومع صمت الهيئات الإعلامية الثلاث وتقاعسها عن الدفاع عن المهنة بدأ الخوف يتسرب للقنوات، وانخفض سقف الحرية، الأمر الذي دفع للأسف بعض الجمهور للذهاب إلى قنوات الإخوان مجانا دون أي مجهود منهم..

فكان الرد هو عمليات الدمج والاستحواذ بين الشبكات الفضائية، وتغييرات متلاحقة في الوجوه واختفاء بعضهم، وكأن تلك المشكلة كانت في الوجوه وليس في سقف الحرية ومساحات النقد والتنوع والتنافس.

وشاء البعض أو أبى كانت برامج التوك شو بمثابة أحزاب سياسية تغطي وتملأ الفراغ السياسي في الدولة المصرية، بعدما تم تجفيف كل منابع السياسة، من اتحادات طلابية ومحليات وعك من الأحزاب القائمة وصراعاتها الداخلية وانشغالها عن القيام بدورها في خلق مناخ للحوار والحيوية السياسية، تنفيذا لنصوص الدستور في أن هذا البلد أصبح يعتمد التعددية السياسية منهما للحكم، لكن فيما يبدو أن من بيدهم الأمور لم يقرأوا هذا النص بدليل إصرارهم على إنتاج الماضي بكل بشاعته وكوارثه.
الجريدة الرسمية