تحليل.. رفع المركزي التركي لسعر الفائدة لا يعني تجاوز الأزمة
رغم معارضة أردوغان، يفاجئ المركزي التركي الأسواق ويرفع الفائدة بهدف استقرار الليرة، خطوة كهذه تكبح معدل النمو في وقت يتراكم جبل الديون مهددًا بأزمة اقتصادية تطال أوروبا..
إلى أي مدى ستدعم برلين أردوغان للحيلولة دون ذلك؟
أخيرًا ورغم معارضة الرئيس رجب طيب أردوغان أقدم البنك المركزي التركي على رفع معدل الفائدة الرئيسية بهدف محاربة التضخم ووقف تدهور الليرة. وشكل رفع الفائدة من نحو 18 إلى 24 بالمائة في 13 سبتمبر 2018 مفاجأة للأسواق والمودعين الذين أكل انخفاض الليرة وارتفاع الأسعار أكثر من ثلث ادخاراتهم بالعملة التركية منذ بداية هذه السنة.
ويبدو قرار البنك كنوع من التأكيد على استقلاليته تجاه الرئيس الذي يعتبر رفع معدلات الفائدة "أم وأب كل الشرور". ويبرر الرئيس موقفه بالخوف من تقليص الاستثمارات وكبح معدلات النمو في ظل أسعار عالية للفائدة.
الجدير ذكره أن أردوغان بنى نجاحاته وسلطاته الواسعة على هذه المعدلات التي تراوحت بين 7 إلى 10 بالمائة خلال سنوات الازدهار التي شهدتها تركيا، لاسيما خلال الفترة من 2005 إلى 2013.
خطوة في الاتجاه الصحيح
انعكس رفع معدل الفائدة بشكل إيجابي على الليرة التي تحسن سعرها بنسبة تراوحت بين 3 إلى 5 بالمائة ليستقر بحدود 6 ليرات مقابل الدولار الأمريكي بعد تدهور هذا السعر إلى نحو 7 ليرات قبل أسابيع بشكل ينذر بحدوث أزمة اقتصادية لم يتم تجاوزها بداياتها بعد. وكان هذا السعر بحدود أقل من 4 ليرات أوائل العام الجاري 2018. صحيح أن استقرار سعر الليرة وكبح معدلات التضخم بنتيجته خطوة في الاتجاه الصحيح؛ إذ أنها ستساعد أيضًا على عودة الثقة وتدفق استثمارات هامة. غير أن خطوة كهذه ترفع تكلفة القروض بشكل يؤثر سلبيًا على أنشطة الشركات ويؤدي إلى تراجع معدلات النمو.
وتتوقع وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني حدوث انكماش اقتصادي وانخفاض هذه المعدلات إلى نسب تتراوح بين 1.2 و3.9 بالمائة خلال الفترة من الآن وحتى عام 2020. ومن الملاحظ أنه شتان بين هذه المعدلات ومثيلتها خلال فترة الازدهار التي سادت حتى سنوات قليلة خلت.
المشكلة الأكبر في تراكم الديون
تأتي هذه التطورات في وقت يواجه فيه الاقتصاد التركي تحديات كبيرة اتضحت خطورتها مع تدهور سعر الليرة. ومن أبرز هذه التحديات هروب الاستثمارات الأجنبية والمديونية العالية للدولة والقطاع الخاص. فيما يتعلق بهذه المديونية ينبغي على تركيا حتى يوليو 2019 سداد نحو 180 مليار دولار من ديونها إلى الخارج. صحيح أن معظم هذا الدين، نحو 146 مليار دولار مستحق على القطاع الخاص، غير أن ديون الدولة والقطاع العام تشكل القسم المتبقي بحدود 34 مليار دولار.
وكانت الحكومة في السابق تسدد الأقساط والفوائد إلى حد كبير من خلال تدفق الاستثمارات الأجنبية وعوائدها، لاسيما الأوروبية منها إلى البورصة والشركات الخاصة ومشاريع القطاع العام التركي. غير أن هذه الاستثمارات تدير ظهرها لتركيا منذ أكثر من سنتين لأسباب عديدة من أبرزها ارتفاع معدل التضخم وتذبذب السوق المالية التركية والنزاع الدبلوماسي والتجاري مع الولايات المتحدة والذي وصل إلى حد فرض عقوبات متبادلة تمثلت في رفع الرسوم الجمركية على السلع المتبادلة بين الطرفين. ومن الأسباب الأخرى توجه الاستثمارات الأجنبية من تركيا إلى أسواق أخرى تشهد استقرارًا ومعدلات نمو أعلى من مثيلتها التركية.
لا مفر من إعادة الجدولة
مع تراكم جبل الديون الخارجية وتراجع معدلات النمو إلى أكثر من النصف يبدو أردوغان الذي بنى شعبيته على النجاح الاقتصادي في وضع لا يُحسد عليه. فتراجع معدلات النمو سيعني المزيد من البطالة والتراجع في مستويات المعيشة لغالبية الأتراك الذي فقدوا أكثر من ثلث قوتهم الشرائية في غضون أقل من سنة.
أما جبل الديون المتراكم فلا يمكن الوفاء سوى بقسم منه لأن الاحتياطات المتوفرة من القطع الأجنبي لا تكفي حسب المعطيات المتوفرة حاليًا للوفاء بأكثر من 80 مليار دولار في غضون سنة وذلك عن طريق احتياطات القطاع الخاص بالدولار واعتماد الحكومة على صندوق الثروة السيادي البالغة قيمته نحو 50 مليار دولار.
ومما يعنيه ذلك أن السبيل الوحيد للخروج من عنق الزجاجة يبدو في إعادة جدولة أكثر من 100 مليار دولار واللجوء إلى مصادر خارجية تدعم هذه الجدولة وفي مقدمتها ألمانيا كونها أهم قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي.
طريق النجاة تمر عبر برلين؟
إن إعادة الجدولة تتطلب مناخًا سياسيًا وعلاقات أفضل مع الاتحاد الأوروبي الذي يعد الدائن الأول لتركيا. ويأتي على رأس قائمة الدائنين البنوك الإسبانية والفرنسية والإيطالية والألمانية بمبالغ تصل إلى 146 مليار دولار. في هذا السياق يمكن قراءة زيارة الرئيس أردوغان إلى برلين أواخر سبتمبر الجاري 2018 رغم الخلافات القوية بين البلدين حول مواضيع أبرزها حملة القمع التي يشنها أردوغان ضد المعارضة وقيام أنقرة باحتجاز مواطنين ألمان.
السؤال هل تقدم برلين على تقديم المساعدة لتركيا لتجنب أزمة اقتصادية خطيرة من خلال تقديم ضمانات لها على صعيد إعادة جدولة الديون أو ما شابهها؟ حتى الآن هناك انقسام بين صناع القرار الألماني، غير أن الغلبة تبدو لصالح المؤيدين لاستقرار تركيا الاقتصادي كحليف جيواستراتيجي لأوروبا والغرب في حلف الناتو.
وإذا دعمت برلين أنقرة فإن العواصم الأوروبية ستحذو حذوها لتجنب أزمة يشكل اندلاعها خطرًا يهدد استقرار القارة الأوروبية وعدد من أهم بنوكها.
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل