رئيس التحرير
عصام كامل

المصريون يحلمون بـ «سادات جديد».. "15 مايو" شاهد تاريخى على ثورة التصحيح.. رجل الحرب والسلام أسقط مراكز القوى فى قبضته.. ضرب الإقطاعيين أولى خطوات تحقيق نصر أكتوبر

 الرئيس الراحل محمد
الرئيس الراحل محمد أنور السادات

هل لنا من "سادات" آخر؟!.. تساؤل يحمل فى طياته رغبة عتية لتكرار ما شهدته مصر فى مايو 1971، وما قام به الرئيس الراحل محمد أنور السادات حينها من استجابة لمطالب الشعب بالتغيير والتصحيح فى الكثير من مجالات حياته، وتحديدًا بعد إفاقته من صدمة النكسة عام 1967، والتى لم تقف حائلاً بينها وبين هذه الرغبة الشعبية العارمة من أجل ثورة تصحيح فى بعض مراكز القوى، التى كان من الصعب عليها أن تتخلى عن سلطاتها، أو تغير أساليبها فى العمل.


البداية.. كانت فى مايو 1971، عندما قام السادات بخطوة على غرار خطوة التصحيح فى "تشيكو سلوفاكيا" عام 1968، ضد الجمود العقائدى والتزمت الرجعية، التى كانت تؤدى بالحركة الثورية إلى التهلكة والدمار، وذلك خلال حكم "نوفوتنى" الذى اتسم بالنزعة الستالينية، وأيضاً تقابل تلك الانتفاضات الثورية المتوالية، والتى قامت ضد الفكر الستالينى فى المجتمعات الاشتراكية، أو داخل الأحزاب الشيوعية نفسها، كما حدث فى الحزب الشيوعى الفرنسى.

إن ما تم فى 15 مايو 1971، هو فى الحقيقة ثورة، وليس حركة، لأنه ثورة على مراكز القوى وعلى العلاقات الاجتماعية والمناخ الذى كان يحكم ويخنق الجماهير، ثورة فى البنيان التحتى، وثورة فى البنيان الفوقى أو العلوى.. ثورة أعادت لمصر كل الحريات المفتقدة، وأكدت للمصريين حقوقهم فى ممارسة حرياتهم المدنية والديمقراطية.

وحينها ساد القانون وأصبح من خلاله يعرف المواطن حقوقه وواجباته، فكانت ثورة مايو، كما أوردها عبد المنعم صبحى، فى كتابه "السادات وثورة التصحيح"، تصحيحًا للأوضاع التى كادت تطمس معالم الثورة التى قامت فى 23 يوليو 1952، فقد كانت مراكز القوى والطبقة الجديدة التى أبرزتها ظروف الانحسار الثورى، قد استولت على المراكز الأساسية، وأشاعت جواً من القهر والتسيب والانحراف، بمعنى آخر أن الثورة التى صنعها الشجعان، على حد تعبير "فولتير"، بدأ يجنى ثمارها الجبناء، وكان لابد من الضرب على أيدى هؤلاء الجبناء وتصحيح الأوضاع بقرارات ثورية.

وكان منطلق "ثورة التصحيح" يسير فى خطين واضحين منذ البداية: خط يهدم كل سلبيات المرحلة التى قادت مصر إلى ظروف 1967، وما أعقبها من مرارة، وخط بناء يستهدف تعميق الإيجابيات والسير بها إلى آفاق رحبة.

ويوضح السادات أبعاد ثورة التصحيح فيقول: "إن حركة التصحيح التى بدأت فى مايو 1971، وإن كانت قد عجلت بها مؤامرات مراكز القوى، فإنها كانت فى جوهرها أمراً ضرورياً، حتى نضع شعبنا فى الوضع الأكثر ملاءمة لتحمل أعباء المعركة والمساهمة في إحراز النصر، فقد كشفت هزيمة يونيو 1967 عن سلبيات كثيرة فى حياتنا، كانت تشوه وجه تجربتنا الناصع، ومنذ آفاق الشعب من صدمة النكسة، بدأ يطالب بالتغيير والتصحيح فى الكثير من مجالات حياته، وكانت الرغبة الشعبية العارمة من أجل التصحيح تقاوم من بعض مراكز القوى، التى كان من الصعب عليها أن تتخلى عن سلطاتها، أو تغير أساليبها فى العمل، أو أن تقبل العلاقات الجديدة التى يطالب بها الشعب بين الحاكم والمحكوم".

وكما ورد فى كتب التاريخ، فقد كانت القيادة العسكرية فى الجيش ضد التغيير، وكان الفريق "محمد فوزى" قائد الجيش، و"أحمد كامل" رئيس المخابرات العامة يمثلان أحد مراكز القوى، وكذلك شعراوى جمعة وزير الداخلية، وعلى صبرى، نائب رئيس الجمهورية، وجميعهم كانوا ضد التغيير، لأنهم كانوا مراكز القوى الأساسية التى كانت تفرض القهر والضغوط، وتتحرك من خلال ولايات أو إقطاعيات.

ولكن السادات برؤيته السياسية الخلاقة وحكمته العظيمة تبين أنه لا انتصار ولا تجاوز للهزيمة، إلا بالتخلص من مراكز القوى، ومن المناخ الفاسد الذى لا يكفل الحركة للجماهير لتسير فى اطمئنان، ولكن بإعلان السادات قيام ثورة التصحيح، تلك الثورة التى عندما قامت استقبلها الشعب بحماس هائل، لأن الجماهير فى مختلف مواقعها أحست أنها تعبر عن متطلبات المرحلة، وتعبر عن آمالها وأحلامها.

وهنا نرى أن الصدام بدا عنيفًا بين السادات ومراكز القوى فى اللجنة المركزية ثم اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى، وفى 21 إبريل 1971 أعد الفريق محمد فوزى خطة انقلاب أرسلها للفريق صادق، الذى احتفظ بهذه الوثيقة ولم ينفذ ما فيها، بل همس فى أذن محمد حسنين هيكل قائلاً: "قل لهذا الرجل أن يصحو من نومه وأن يأخذ حذره".

وفى 11 مايو 1971، وصل إلى بيت السادات ضابط شرطة يعمل فى إدارة الرقابة على الهاتف فى وزارة الداخلية، وكان يحمل مجموعة من الأشرطة المسجلة من بينها شريط عليه تسجيل لمكالمة بين اثنين من مراكز القوى يتضح فيها تآمرهم على السادات وبها مخطط لاغتياله.

بدأ السادات بإقالة وزير الداخلية شعراوى جمعة، وقررت مراكز القوى مفاجأة السادات باستقالات جماعية، بما يهدد بانهيار دستورى فى الدولة، الأمر الذى تداركه السادات بحنكة شديدة، وبعدها فقط فى 14 مايو سنة 1971 شكل الرئيس السادات أول وزارة تنتمى إليه، وتبتعد عما أسماه وقتها "مراكز القوى".

وفى خطبة شهير له آنذاك، كشف السادات عن المؤامرة التى كانت تدبر ضد البلد ومحاولة مراكز القوى لإحراقها عن طريق انهيار الجبهة الداخلية بضرب ظهر قواتنا المسلحة وبعد سرد طويل، قال السادات: "أنا هسيب لكم كشعب، تفاصيلها كاملة، هسيبلكم كشعب تستنتجون منها ما تستنتجون.. لكن هقرر أمامكم إحقاقاً للحق ولمسئوليتى التاريخية جملة أمور..  أولها أنني لن أفرط فى المسئولية إطلاقاً.. لن أسمح بقيام أى مركز من مراكز القوى، مهما كان مكانه، ومهما كانت قوته أبداً.. وأنا أعيد هذا الكلام الذى قلته فى "أنشاص"، أمام نصف القوات المسلحة المصرية، والتهبت أيديهم بالتصفيق، وأقولها علناً الآن للجيش والشعب، ويسمعنى أيضاً من حددت إقامتهم، الذين تصوروا أنهم قادرون على عمل انهيار للجبهة الداخلية، محققين بذلك أهداف أعدائنا بضرب ظهر قواتنا المسلحة.. ولكن بفضل الله لم يحدث ذلك، وقواتنا ما زالت قوية".

وأضاف السادات:"لن أفرط فى الأمانة.. لن أسمح بقيام مراكز قوى أبداً.. سأتقدم للشعب لإجراء انتخابات حرة من القاعدة إلى القمة للاتحاد الاشتراكى، وسأشرف بنفسى ولجنة قضائية فى مكتبى، ومستشارون من وزارة العدل، للإشراف على كل صغيرة وكبيرة، بدءاً بتوزيع التذاكر من الوحدة الأساسية، لكى نأتى باتحاد هو الذى يمثل شعبا صنع هذا التاريخ".
الجريدة الرسمية