رئيس التحرير
عصام كامل

«فيتو» داخل عقار الشرابية المنهار.. حكايات حول وفاة أسرة تحت الأنقاض

فيتو

في الخامسة من صباح اليوم السبت كان الوضع هادئا في منطقة الشرابية الواقعة بحي شبرا بالقاهرة ، الوقت يسير بنسقه المألوف على قاطني العقار رقم 5، بشارع عثمان حجازي. السيدة نادية الستينية تجهز أوراقها الشخصية تستعد للذهاب إلى إحدى الجمعيات الخيرية بالمنطقة، لصرف معاش شهري تستند عليه في أيامها الصعبة، ابنتها نعمة صاحبة الـ17 ربيعًا تستعد لحفل زفافها بعد أيام، جهزت لها كسوتها من عرق جبينها، وأبنية ينامان بجوارها في تلك الغرفة الصغيرة القابعة في الدوري الأرضي من العقار.


مرت ساعات الليل في هدوء حتى دقت عقارب الخامسة، سمع الأهالي صوت "طقطة" خارجة من العقار المكون من ثلاث طوابق، حتى بدأت تنهار أجزاؤه، القاطنون في الدور الثاني والثالث هرعوا خارج المنزل في ذهول بينما السيدة نادية وأبناؤها الثلاثة لم يتمكنوا من الخروج، وسقط فوق رؤوسهم حطام الثلاثة أدوار.

حاول الأهالي الذين هرعوا إليهم بعد سماع صوت استغاثة إخراجهم من تحت الأنقاض إلا أنهم لم يتمكنوا: "سمعنا صوتهم وهما بيصرخوا وبيقولوا الحقونا لكن معرفناش نعمل حاجة، ولما الشرطة وصلت كانوا هما الأربعة ماتوا"، هكذا قال "عبد الجليل" أحد الشهود العيان على العقار المنهار.

يحكي عبد الجليل بلهجته التي يتبين منها أنه صعيدي، «عند مجئ قوات الشرطة وفرق الإنقاذ وبمساعدة الأهالي تمكنوا من إخراج جثث الضحايا الأربعة وسط ذهول من أهل المنطقة الهادئة».

يقف طفل لم يتجاوز من العمر إلا عشر أعوام بملابسه ووجه الذين يكسوهما التراب، يشير بسبابته في يأس يمينا ويسارًا داخل غرفة مظلمة عارية السقف مليئة بالحطام مهدمة الأركان بقايا الروح فيها منعدمة فالحياة لم ترق لأصحابها يومًا ولم تلين فقدوا حياتهم بلا مقدمات ولا سابق إنذار "دي الأوضة اللي ماتت فيها الجاجة نادية كانت نايمة هنا هي وأحمد ابنها وفارس كان نايم في الجنب دا هو وأخواته".

سكان العقارات المجاورة للعقار رقم 5 يجلسون في الشارع ينظرون يمينًا ويسارًا.. السيدات ترتدي الملابس السوداء يندبن حظهن تارة ويبكين لحال جيرانهن تارة أخرى يرفضون دخول المنازل خشيت أن يلقوا نفس مصيرهم فمنازلهم تملأها الشقوق التي اتخذتها الثعابين والحشرات بيتًا وتتساقط من سقفها الرمال وتطفح من أسفلها مواسير الصرف الصحي، أما الشباب فتجمع معظمهم داخل مستشفى شبرا العام منتظرين إخراج جثث ضحاياهم لتوديعهم إلى مثواهم الأخير.

أما عفاف السيدة الخمسينية، فتجلس في منتصف الشارع تشحذ همم السيدات والشباب والأطفال، حتى يسرعوا بدفن ضحايا العقار المنهار، "دي كانت بتنظف السلالم وبتتعب وبتشقى عشان تربي عيالها التلاتة ومكناش نتخيل يوم أن يحصل معاها كدا.. ابنها الكبير كان عنده ولدين ومات خلاص.. جوزها سابها ودخل السجن من 15 سنة وهي اللي ربت العيال دول".

الجريدة الرسمية