أحكام مجلس الدولة بين الدستور وقاضي الأمور المستعجلة
استقرت أحكام المحكمة الدستورية العليا، على اختصاص محاكم مجلس الدولة وحدها دون غيرها بنظر منازعات التنفيذ، التي تثور في شأن تنفيذ الأحكام الصادرة عنها ومنها، باعتبار أن قاضي الأصل هو قاضي الفرع، وأنه لا يجوز وقف تنفيذ الأحكام الصادرة من القضاء الإداري، إلا إذا أمرت دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا بوقف التنفيذ.
إذ تنص المادة 190 من الدستور صراحة، على اختصاص مجلس الدولة دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية، ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه، مما يؤكد ويجزم بأن "محكمة الأمور المستعجلة"، ليست مختصة بالفصل في منازعات التنفيذ الموضوعية المتعلقة بالأحكام الصادرة من مجلس الدولة.
فإن تصدت "الأمور المستعجلة"، لهذا النوع من المنازعات، فإنها تكون قد خالفت الدستور، وانتحلت اختصاصًا ممتنعًا عليه دستوريًّا، ويكون واجبا والحال كذلك، عدم الاعتداد بمثل هذه الأحكام، لأن محاكم القضاء العادي، بالعموم، لا تختص دستوريا، بنظر إشكالات التنفيذ المقامة ضد الأحكام الصادرة من محاكم مجلس الدولة.
ذلك أنه وفقا للدستور، فإن "محاكم مجلس الدولة"، هي المختصة أصليا، بنظر منازعات التنفيذ، المتعلقة بأحكامها، ومن ثم، فإن أي حكم صادر عن محكمة، أو قاضي الأمور المستعجلة، بـ "وقف تنفيذ" أي حكم صادر عن محاكم مجلس الدولة، هو مجرد لغو، ويكون هو والعدم سواء، ولا قيمة له، ولا يمثل أدنى عقبة في تنفيذ حكم مجلس الدولة، نظرًا لأنه وكما سلف القول، فإن حكم "الأمور المستعجلة" يكون قد اغتصب اختصاصا دستوريا محجوزا لـ "محاكم مجلس الدولة"، المختصة أصليًّا بنظر منازعات التنفيذ للأحكام الصادرة من محاكم القضاء الإداري، فضلًا عن مخالفة "الأمور المستعجلة" لقاعدة "عدم تسليط سلطة قضاء محكمة على قضاء محكمة أخرى"، وكلنا يعلم أن احترام أحكام القضاء لا يتجلى إلا بتنفيذها.
وإذا كان من غير المقبول من الأفراد أن يمتنعوا عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدهم، فإن تقاعس جهة الإدارة (الحكومة) عن تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها، وتحديها، رفضا للتنفيذ يعد انتهاكًا لحجية تلك الأحكام وإهدارًا لأحكام الدستور والقانون.
الغريب والعجيب أن الحكومة تلجأ لإقامة "الاستشكال" أمام محكمة الأمور المستعجلة، لوقف تنفيذ الأحكام الصادرة عن محاكم مجلس الدولة، باعتباره وسيلة قانونية لتعطيل إجراءات التنفيذ، وهو ما لا يجوز دستورا وقانونا على نحو ما أوضحنا، وللـحـديـث بـقـيـة.