رئيس التحرير
عصام كامل

اعتذار واجب


جاء حكم محكمة النقض بعدم قبول الطعن المُقدم من النيابة العامة علي حكم براءة متهمي موقعة الجمل، ليضيف إلى سلسلة البراءات التي شهدتها قضايا قتل المتظاهرين، براءة جديدة، ولكن في هذه المرة نهائية وباتة.


والحقيقة أن هذا الحكم لا يثير أي دهشة، وخاصة في ظل البراءات والأحكام المُخففة التي شهدتها معظم قضايا قتل المتظاهرين، علي مدار أكثر من عامين، بداية من تبرئة معظم الظباط المتهمين بقتل المتظاهرين أثناء أيام الثورة، مرورا بتكريم بعض قتلة الثوار أثناء المرحلة الانتقالية، وإعطاء أحكام لا تُذكر للبعض الآخر، انتهاء بإصدار قرار إخلاء سبيل مبارك، في قضية قتل المتظاهرين.

عند الجمع بين أحكام البراءات هذه، وما يترتب عليها، بطبيعة الحال، من إنكار قانوني لمسئولية رموز النظام السابق عن قتل المتظاهرين، وبين حملات التشويه الواسعة التي طالت شهداء الثورة، والتي ترتب عليها أيضا إنكار مجتمعي من جانب فئة ليست بقليلة من الشعب لهؤلاء الشهداء، واعتبارهم مجرد مجموعة من الخارجين عن القانون قُتلوا أثناء اقتحامهم لأقسام الشرطة، أو المنشآت العامة، سنجد أنفسنا أمام معضلة كبرى ستتمثل في الإنكار التاريخي لهؤلاء الشهداء.

نعم، وللأسف، فعملية توثيق التاريخ بصورة عامة تعتمد بالأساس علي وجود أدلة معترف بها، وهذا يدفعنا إلي أن نسال أنفسنا ما هي الأدلة التي تثبت أن هناك شهداء ضحوا بأنفسهم في ثورة عظيمة، ومعظم أحكام البراءات التي صدرت، تستند حيثياتها إلي أن المتهمين كانوا في حالة دفاع عن النفس، وحماية للمنشآت العامة، من مجموعة من الخارجين عن القانون؟

فعندما قال مبارك عبارته الشهيرة في خطابه الثاني أثناء الثورة، "سيحكم التاريخ علي وعلي غيري بما لنا أو علينا"، كان وللأسف محقا، ولكن ليس بسبب برائته وعدم مسئوليته عن إراقة دماء شعبه، ولكن لأسباب اخري، تتمثل في وجود مؤسسات مارست التضليل بأبشع صوره لإخفاء أدلة الإدانة، ووجود مجتمع ينظر إلي مقاومة مؤسسات الدولة المستبدة باعتبارها خروج عن القانون، وأخيرا وجود رئيس انتخبه الشعب، يتمثل مفهوم القصاص لديه في مجرد كلمة يلقنها له مرشده في مؤتمر انتخابي لكسب الأصوات.

كل هذه الأسباب تدفعنا إلي توجيه اعتذار واجب إلي كل شهيد، نزل يوم 25 يناير، معتقدا أنه إذا اسُتشهد سيكتب التاريخ اسمه بحروف من ذهب، ولكل مصاب فقد نور عينيه أملا في طلوع شمس الحرية، ولكل أم شهيد لم يعد أمامها سوي احتضان صورة ابنها، والتحسر علي أحلامه التي تبددت حينما نطق القاضي الحكم ببراءة قاتليه.
nour_rashwan@hotmail.com

الجريدة الرسمية