يا بخت المتحرشين!
يا بخت المتحرشين في بلدنا، لأنهم سيجدون من يتولى الدفاع عنهم بحماس منقطع النظير، وسيجدون من يبرر لهم تصرفاتهم الشاذة، ولا يتورعون في نفس الوقت عن إدانة ضحاياهم، وتحميلهم مسئولية ما جرى لهم من عدوان بأيدي هؤلاء السفلة.
وعندما كان الدفاع عن المتحرشين، وإدانة ضحاياهم، يصدر عن فريق من السلفيين والمتشددين دينيا كان الأمر يبدو مفهوما، ومتسقا مع آراء تلك الجماعات التي تنظر إلى المرأة على أنها عورة، يجب أن تختفي عن العيون، وأنها مخلوق ناقص العقل والدين، خلق لمجرد خدمة الزوج وإشباع رغباته، لذلك لا يجب أن تغادر منزلها، وإلا تعرضت لما لا يحمد عقباه على أيدي دعاة الفضيلة من هؤلاء المتشددين الذين يدعون أن بقاء المرأة في البيت يعني تكريمها حتى لا تهان، أما خروجها للعمل وتعرضها للعدوان الجسدي والنفسي فستكون وحدها المسئولة عما يجري لها، لأنها لم ترضخ لدعوة البقاء في البيت، وغامرت بالخروج إلى الشارع، وعليها ألا تشكو بعد تلك المغامرة.
ومن يتابع تعليقات هؤلاء المتشددين على الجريمة البشعة التي حدثت منذ أسابيع، عندما تعرضت زوجة للتحرش، وهي تسير في الشارع مع زوجها الذي حاول التصدي للمجرم فكان مصيره القتل.
جاءت تعليقات المتشددين لتبرر الجريمة، وتدافع عن الذي ارتكبها، وتدين الزوج الذي حاول أن يدافع عن عرضه، فكان مصيره القتل واستند دفاعهم إلى أن الزوج سمح لزوجته بالخروج إلى الشارع، وعليه أن يتحمل نتائج مغامرته.
ورغم غرابة تلك الآراء، إلا أن صدورها من هؤلاء المتخلفين ليس غريبا على الإطلاق، فقد اعتدنا سماع تلك الآراء التي تسعى إلى إعادة المجتمع إلى الوراء مئات السنين.
أما ما يزعج حقا.. فهو أن يتصدى صحفيون وكتاب عرفوا بالدفاع عن قضايا الحريات، وفي مقدمتها حقوق المرأة، للتشكيك في موقف تقدمت للنيابة ببلاغ يتهم أحد الصحفيين بالتحرش بها فقامت الدنيا ولم تقعد من جانب زملاء للمتهم وإدانة للفتاة، التي جرأت على أن تدافع عن كرامتها.
صحيح أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وأن الشكوى أمام النيابة التي لم تصدر قراراتها بعد، ولكن هذا الأمر ينطبق أيضا على الفتاة التي لم يصدر بشأنها قرار يدينها، وكان على الجميع أن ينتظروا نتائج التحقيقات، ولا يتورطوا في الدفاع عن أحد طرفي المشكلة، وإدانة الطرف الآخر.
وقد اعتدنا أن المعتدى عليها في مثل هذه الأحوال، لو صمتت تدان، ولو تحركت تصبح الإدانة أكبر، ما يغري هؤلاء الذين أدمنوا التحرش على ارتكاب جرائمهم دون خوف، خاصة عندما يجدون من يدافع عنهم من المثقفين، ويا بختهم!