رئيس التحرير
عصام كامل

الفوضى.. وسنينها «السبعة»


تبدو مصر الآن وكأنها تنفض عن نفسها غبارا كثيفا وتغتسل من أخطاء الماضى القريب والبعيد، ولكن ما يثير حيرتي هو عدم وضع استحقاق إعادة دولة القانون والقضاء على فوضى المرور والشوارع والأسواق ضمن قائمة الأولويات المطلوب القضاء عليها.


والحقيقة أن بلادنا منذ يناير 2011 تدثرت برداء من القبح وتولدت ظواهر عشوائية أصبحت أمرا واقعا بات من المستحيل استئصالها أو بترها، بعبارة صريحة "اللى انكسر لا يمكن إصلاحه".

وبالتالى لا توجد بارقة أمل في القضاء على كثير من تلك الظواهر ومنها مثلا براميل الزبالة المتحركة المسماه بـ "التكاتك" وكذلك الموتوسيكلات والتروسيكلات التي ملأت وأغرقت شوارع مصر وحواريها وطرقاتها الرئيسية، الأراضي الزراعية التي "بارت" بالبناء العشوائي المخالف لم يعد هناك وسيلة لإعادتها إلى سابق عهدها، وكذلك العمارات التي تمددت للأمام لتأكل من الشوارع وتضييقها على المارة والمشاة وأصحاب السيارات..

وتمددت بالمخالفة يمينا ويسارا بحيث لم تعد هناك فراغات بين العمارات وصار الجار يسلم على جاره، وارتفعت إلى أعلى بالمخالفة أيضا إلى عنان السماء، لن يتم إزالتها، الإشغالات التي خنقت شوارعنا بحيث أصبح أي شخص يستولى على ربع عرض الطريق وكأنه ملكية خاصة، أيضا لا توجد بارقة أمل في إزالتها، فوضى المرور التي جعلت شوارعنا مستباحة بالسير العكسى وتعطيل المرور وخنقه، بلطجية الأرصفة الذين يفرضون إتاوات على أصحاب السيارات بعد أن فلت "عيارهم" واستقرت أوضاعهم وأصبح من المستحيل اقتلاعهم والقضاء عليهم، وغيرها الكثير مما لا يتسع المجال لذكره.

الأخطر أن أحدا لم يعد يعترف بالخطأ، وصرنا نرى حوار "الطرشان" بين كل شخصين على خلاف سواء معتدِى بـ "كسر الدال" ومعتدَى عليه بـ "فتحها"، الظالم صار يلوى الحقائق ويتجبر، والمظلوم صار على قناعة بأن الدولة لن ترد له حقه فأصبح محبطا ويشتكى إلى الله.

بمناسبة الحديث عن الفوضى.. كثير من أقاربي ومعارفي وأصدقائي المغتربين بدافع العمل بالخارج، يقررون من هناك العودة إلى مصر نهائيا مع أسرهم بدافع الحب والحنين والشوق للوطن والزهق من الغربة، ينزلون إجازتهم الأخيرة قبل تقديم الاستقالة وقضاء فترة شهر الإنذار، لكن الفوضى المجتمعية العارمة التي يعايشونها بمصر تجعلهم "يطهقون" وتمنحهم دافعا قويا للتراجع عن قرار العودة، بعد أن يعقدون مقارنة بين دولة القانون والانضباط المجتمعي الذي يعيشونه في الغربة وبين وطنهم، وهكذا سنة وراء سنة.

أعرف كثيرين يفعلون ذلك منذ سنوات كلما عانوا في اجازتهم من زحام الشوارع واختناق المرور والانفلات السلوكى والأخلاقى، بحيث تحولت مصر كلها إلى "سويقة" كبرى وضاقت شوارعها بالإشغالات والمخالفات ولم نعد نجد مكانا نمشى فيه، وأصبحت بلدنا "أم الفوضى" بعد أن كانت "أم الدنيا".

استحقاق القضاء على الفوضى المجتمعية وإنهائها في بلدنا لا يقل أهمية عن القضاء على الإرهاب، وباعتباري صاحب قلم حر ومواطنا محبا لبلده ويتمنى الحياة في دولة قانون ونظام، لن أتوقف عن الكتابة من أجل القضاء على تلك الظاهرة البغيضة وإعلان وفاة الفوضى في مصر.. كفانا 7 سنوات من المعاناة.

بمناسبة الفوضى أيضا.. أحكى موقفا حدث في العمارة التي أسكن بها لدلالته على أن بعض الموظفين لا يردعهم إلا الخوف من العقاب وعلى حالة الإهمال التي أصابت بعض الجهات الحكومية.. انقطعت الكهرباء عندنا دون باقى العمارات وكانت الساعة الخامسة مساء واعتقدت أنها دقائق وستعود كما هو المعتاد..

وبعد ساعة من الانقطاع أرسلنا حارس العمارة إلى شركة الكهرباء وهى على بعد أمتار للإبلاغ وتم تسجيل الشكوى هناك، مرت ساعتين وبدأ سكان العمارة في القلق ونزلوا من شققهم، الكل يستفسر عن السبب، ذهب البعض منهم إلى مقر الشركة مرة ثانية وثالثة ورابعة وكان الرد "هناك عطل كبير يتم إصلاحه في منطقة مجاورة لكم وأن الشخص الآخر المسئول عن الإصلاح غير موجود، وسوف يأتي بعد 10 دقائق"..

لكن العشر دقائق امتدت إلى 3 ثم 4 ثم 5 ساعات ونحن في الانتظار وسط حالة من السخط والغضب، حتى أجريت اتصالا بأحد أصدقائي الصحفيين المعروف بعلاقاته الوثيقة بمسئولي شركة الكهرباء، طلب منى صديقى مهلة خمس دقائق وبعدها وجدت موبايلى يرن "الأستاذ عماد صبحى معايا"، "نعم يا فندم" "يقف أمام حضرتك الآن فنى من الشركة لإصلاح العطل" وقبل أن أنهى المكالمة كانت عمارتنا قد أنارت من جديد بـ "الكوسة" والواسطة والمحسوبية والنفوذ وليس بالعدل وأداء الواجب والإحساس بالمسئولية.. ولا تعليق.

********
في وجود "فيس بوك" لم يعد ممكنا أن تخفى يوم ميلادك أو أن تتهرب من الرد على طوفان التهانى الذي تتلقاه، وفى ذكرى ميلادي التي وافقت أمس الأول السبت لا أملك إلا أن أقول من خلاصة سنوات عمرى "الحياة رحلة غيبوبة.. لا يستفيق منها الإنسان إلا في المحطة الأخيرة"، وأقصد أن كثيرا منا تراوده في كل لحظة - وبإلحاح مؤلم ومزمن - أمنية عودة عقارب الزمن وعداد العمر إلى الوراء لتدارك أخطاء المسار وتصويب المسيرة وتصحيح الخطايا، لكن تلك هي الحياة، لا أحد يعيشها بدون أخطاء أو ندم، وبعد فوات الميعاد وتلامس العمر مع نقطة اللاعودة يصل الإنسان فقط إلى مرحلة الاستفاقة.

الجريدة الرسمية