رئيس التحرير
عصام كامل

استراتيجية مواجهة الفكر المتطرف


في تاريخ البشرية هناك ألوان من التعصب نتجت من الفكر المتطرف؛ فقد عرفنا من التاريخ ومن خلال الأدب والشعر التعصب القبلى، وسرد لنا التاريخ أيضًا ألوانًا من التعصب الدينى والطائفى، بل إذا نظرنا إلى التاريخ الحديث والمعاصر نجده يقدم لنا أنواعًا مختلفة ومتعددة من التعصب العنصرى أو العرقى، وأعطى تعريفًا للتعصب بأنه "انتماء زائد إلى جماعة يتنمى إليها الإنسان ويرتبط بها ويعتنق أفكارها الخاصة إلى درجة تصل إلى استبعاد وإقصاء وكراهية الآخر المختلف".


والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل يمكن أن تُعالج هذه الظاهرة.. وكيف تعالج.. وما الآليات لتحقيق ذلك؟ فالعوامل التي تؤدى إلى الفكر المتطرف هو وجود خلل في عدة عوامل الا وهى عوامل ثقافية، وتربوية، وتعليمية، وإعلامية، وعوامل دينية تتمثل في الفتاوى المتطرفة، بالإضافة إلى عوامل اقتصادية من وجود البطالة والفقر والمعاناة الاجتماعية، وينتج عن العاملين السابقين التطرف وضعف الانتماء.

إن القضاء على التطرف يمثل كفاحا، ولكن هذا الكفاح لا يمكن أن يكون كفاحًا إصلاحيًّا عن طريق الوعظ الأخلاقى، بل هو في أساسه كفاح أيديولوجى وسياسي واجتماعى وثقافى؛ ولذا اقترح الاتى في علاج الفكر المتطرف، وينقسم إلى اتجاهين الأول علاج من اعتنقوا الفكر المتطرف، وفى الحقيقة هذه الأقلية المتعصبة يجب أن نضعها تحت منظار العلوم النفسية والاجتماعية والفلسفية لحل المشكلة، لمساندة الحلول الأمنية والقانون..

فحل ظاهرة، أي ظاهرة يجب أن يكون من السبب الأول أو بلغة الفلسفة العلة الأولى ووضع حلول لها تعالج الإنسان الذي يعتنق التعصب، أود أن أشير هنا وبصورة مؤكدة ربط العلم بالمشكلات النفسية والمجتمعية للوصول إلى الحل والوصول إلى الاتساق المجتمعى؛ ويدخل ملف التعليم كطريق أساسي من الطرق المعالجة للأزمة لإزالة الفكر المتطرف والفكر الطائفى والإرهابى في ذهن المتعصب تجاه مجتمعه وتجاه الآخر المختلف معه..

أما العلاج الثانى: منع الفكر المتطرف (حماية الجيل والنشء) وذلك عن طريق وضع مشروع ثقافى تعليمى تربوى تنموى في مدة زمنية محددة وبمفاهيم محددة واحدة، لتكوين هدف جمعي في هذه اللحظة التي نمر بها في مصر..

نحن نعيش في حالة حرب غير معلنة، على جميع الأصعدة سواء كانت حرب اقتصادية أو أمنية أو سياسية وحرب ثقافية أيضًا، وأتوقف عند الأخيرة لأن آلياتها غير معلنة وتأخذ غطاءً غير حقيقى، واقصد، مشروع ثقافى تعليمى تربوى يطبق من خلال العمل المشترك بين وزارات التربية والتعليم، والتعليم العالي، والثقافة، والإعلام والشباب، والبيئة، والصحة، والتنمية، والكنيسة والأزهر..

وذلك ضمن إستراتيجية جديدة تحدد الأدوار لكل وزارة وكل مؤسسة على حدة، بحيث تستطيع من موقع مسئوليتها وفي محيط اختصاصها، أن تبني محورا من محاور الخطة المتكاملة في مواجهة الفكر المتطرف، وبالإضافة إلى ذلك تضمين مؤسسات المجتمع المدنى في العمل في هذا المشروع (مضمون المشروع إعادة إحياء الهوية المصرية وإعادة إحياء المعايير الأخلاقية بما لا يتعارض مع المعاصرة والتطور).

والإصلاح الأخلاقي ينبغي أن يبدأ من أعلى ويتدرج إلى أدنى المستويات وأوسعها نطاقًا، وأعني بالإصلاح هنا المناداة ببناء معنوي، هذا البناء لا يمكن أن يبدأ من مستويات منخفضة لسبب بسيط أن هذه المستويات تستمد القدوة من المستويات الأعلى من قيادات، ولذا يجب القضاء والتخلص على القدوة السيئة في كل مكان، في المدرسة وفي الجامعة وفي المؤسسات الدينية والوعظية وفي المجال الثقافي والاجتماعي لكي لا تنتقل العدوى الأخلاقية من أعلى السلم الاجتماعي إلى أسفله.
الجريدة الرسمية