صناعة الأمل.. والإصلاح الاقتصادي
إن الدولة أسست في بداية الحضارة لضمان التقدم والاستقرار البشري وتنظيم المجتمعات الفوضوية نحو الحضارة.. فكان الفرد هو أساس بنية الدولة لذا فإن استواء التكوين النفسي البشري من أهم العناصر التي يجب أن تدركها الدولة من أجل الاستمرار.. ولعل دور العمل السياسي في مجمله يعتمد على صياغة المشاعر الإنسانية، ثم الطاقات البشرية وبعدها الموارد المادية نحو أهداف الدولة.. كانت صناعة الأمل والإصرار الوطني في المجتمع والجيش المصري عقب نكسة ٦٧ هي المعجزة الحقيقية لهزيمة الأسطورة العسكرية الإسرائيلية لاسترداد أرض سيناء.
لذا فإن صناعة الأمل هي دور المجتمع السياسي وقادة الدول.. ومنذ ألف عام وفي عصر يفتقد إلى أدوات التكنولوجيا سطر المفكر العربي أبو الحسن الماوردى كتابًا عنوانه لـ(تسهيل النظر وتعجيل الظفر في أخلاق الملك وسياسة الملك) حدد للدولة عدة أسس هي: (دين متبع، وسلطان قاهر، وعدل شامل، وأمن عام، وخصب دائم، وأمل فسيح).
الأزمة التي نواجهها حاليا هي التشاؤم وارتفاع نسبة الأمراض النفسية التي وصلت إلى ٤٠٪ ووصل الاكتئاب إلى ٢٥٪ وتنتشر العدوى.. فكان التشاؤم موروث مصري ثقافي يتجلى في سلوكيات مجتمعية مثل ارتفاع نسب التحرش والطلاق وأطفال الشوارع والأحقاد المجتمعية.. ومع ضغوط الإصلاح الاقتصادي زادت النسب رغم أن القناعة والرضا أهم من المتع الوقتية الاستهلاكية ولكن هذا الفكر أصبح نادرا بسبب ضعف الوعي والتعليم..
إلى جانب افتقار الإعلام إلى الموضوعية وصناعة الأمل بل ظل يلعن الظلام ومن تسبب فيه بدون إضاءة شمعة أمل وتفاؤل نحو حتمية الإصلاح أو نتائجه المستقبلية.. أن واجب الإعلام ورجال الدين هو صناعة الأمل من خلال قادة قادرين على التحفيز لصناعة الأمل والتفاؤل من خلال قادة قادرين على التحفيز الإيجابي واستعراض لتجارب ونماذج مجتمعية لشباب كسروا اليأس وحققوا تفوقهم وسطروا نجاحهم هو مصدر إلهام للشباب الخانع لروح الهزيمة والفشل.
لا مستقبل لوطن بدون قناعة الشباب بالأمل والإيمان بالإصلاح الاقتصادي وتحقيق الرخاء والرفاهية كهدف معلن من خطة ٢٠٣٠ ولتشكيل عوامل تحفيزية للعمل والاجتهاد فيتضاءل مناخ استقطاب الشباب نحو التطرّف والجريمة أيضا تقل هجرة للكفاءات الأعلى للخارج ولعل الإحصائيات تشير إلى أن مصر هي ثاني دولة مصدرة للكفاءات الشابة إلى كندا بعد الهند على مدى عقود..
فيوجد في المهجر ٨٦٠٠٠ عالم مصري منهم ٤٢ يشغلون منصب رئيس جامعة في أهم جامعات عالمية بالإضافة إلى ٨٥٠٠٠٠ خبير في العلوم التطبيقية لتحتل مصر المركز الأول عالميا، في هذا الصدد رغم أن مصر تحتل المرتبة ١٣٩ في جودة التعليم بين ١٤٠ دولة... رغم أن هذه الأرقام كانت بسبب فقر في صناعة الأمل، ولكن أيضا أرقام مبهرة إذا استطعنا صناعة الأمل في صناعة نهضة وطن بتقليص هجرة الشباب الكفء.
تشير الأبحاث العلمية الحديثة إلى أن تغيير الرأي العام يلزم وجود ٢٥٪ من المؤمنين الحقيقيين بالفكرة على عكس النظريات القديمة التي أقرت نسبة التغيير ٥٠ + ١، لذا يلزم وجود كتلة حرجة مؤمنة ومتفائلة بالتغيير وتعمل على إشاعة روح الأمل ضد الشائعات السلبية المضادة للإصلاح الاقتصادي..
ولا نغفل أن مواجهة الشائعات بالشفافية هي أقصر طريق.. بدون وعي مجتمعي نحو حتمية الإصلاح وإيجابياته تقل الفرص.. هكذا أثبت تحارب الدول المناظرة في الإصلاح الاقتصادي.. أن تجربة الإصلاح الاقتصادي يلزم أن تكون خطوة في إصلاح شامل لأمراض المجتمع.
وعن تجربة الإمارات التي أدركت فن صناعة الأمل وأثرها على الشباب لدعم وتدشين مبادرة لـ «صانع الأمل» العربي بمشاركة 87 ألف مشارك، ضمن مبادرة عربية رائدة لدعم صناع الأمل التفاؤل والإيجابية ونشر تجارب ونماذج من قهروا اليأس وتأتي هذه المبادرة من أجل بناء أجيال تنتمي لاوطانها وهويتها وقادرة على بناء مستقبل أوطانها.. وأتذكر مقولة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم:
«الحظ لا يصنع الرجال، الرجال يصنعون الحظ.. وفي صناع الأمل، الرجال والنساء هم الذين يصنعون الحظ والأمل والتغيير الإيجابي والبناء.. هؤلاء هم الأبطال الجدد، هم النماذج الملهمة»..
في النهاية نجحت الإمارات في صناعة الأمل ليس فقط لشبابها وإنما لشباب العالم وأصبحت مقصدا ونموذجا.
إن دور المجتمع السياسي المصري هو نشر الوعي خاصة الاقتصادي من خلال توجيه الإعلام والمؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية نحو صناعة الأمل والتفاؤل نحو المستقبل التي تمثل غذاء الشعوب نحو التحدي والعمل والقناعة لاستيعاب مشقات الحياة بالقناعة.. وليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.