رئيس التحرير
عصام كامل

حياة منزوعة السياسة


على عكس كل التوقعات جاءت التغييرات الحكومية وتغييرات المحافظين مفاجأة للجميع، ولم تزد عن قصر الاختيار من نفس الدائرة الضيقة، وعلى نفس المنوال كانت التعيينات في نواب الوزراء والمحافظين، وفيما يبدو أن ما يربط ذلك هو ألا يكون المرشح مارس السياسة أو من أي دائرة سياسية، لدرجة أن أحد أهم شروط الالتحاق بأكاديمية التدريب إلا يمارس السياسة أو يكون له علاقة بالأحزاب السياسية..


ولهذا لم يصل مرشح واحد من كل الأحزاب المصرية لأي منصب في دولاب الإدارة في هذا البلد، رغم أن الدستور الأخير نص على آن تكون التعددية هي أساس الحكم، أي أن الدستور أعطى للأحزاب مهمة الحكم من خلال تداول السلطة عبر صناديق الانتخابات، لكي تصبح الأحزاب أكبر مورد للقيادات والكوادر السياسية ومعها المجالس المحلية الشعبية المنتخبة واتحادات الطلاب بالمدارس والجامعات..

لكي تنشأ كوادر سياسية متنوعة فكريا بصورة طبيعية بعيدا عن حضانات الدولة، كمنظمات الشباب ومراكز إعداد القادة التي تخرج نمطا واحدا أقرب ما يكون للمنظمات الاشتراكية، التي سادت وقت أن كانت الأحزاب الشيوعية تحكم نصف الأرض وبعد أن سقطت النظرية الماركسية وأصبحت روسيا أقرب للنمط الرأسمالي لم تعد هناك مثل تلك التنظيمات، ولم يعد تجريم السياسة في الجامعات والأحزاب ووسائل التواصل الاجتماعي معقولا ولا صحيا ولا دستوريا..

لأن المادة ٦٥ من الدستور تنص على أن حرية الرأي والفكر مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير، وهكذا نحن أمام نصوص دستورية لا يتم تطبيقها أو في حكم المجمدة والمعطلة لحين ميسرة، وخذ مثلا حركة المحافظين الأخيرة فقد تم تعيين ١٣ لواء من الجيش و٦ لواءات من الشرطة وقاضيا و٦ مدنيين ليس لهم سابق خبرة بأضابير المحليات والإدارة المحلية، وليس لهم سابق خبرة بأي عمل سياسي، بل إن السياسة كانت من المحرمات طوال مدة خبرتهم..

وعلى نفس المنوال كانت تعيينات نواب المحافظين والوزراء ليس لديهم أي خبرة سياسية، ومطلوب منهم في مناصبهم الجديدة رسم السياسات في الوزارات والمحافظات وذلك وفقا لقرار إنشاء الأكاديمية في المادة الثانية، وبغض النظر عن هذا التناقض فقد كشفت التعيينات التي تتم بقرارات جمهورية أن رئيس الوزراء والوزراء لا يقومون بتعيين نواب ومساعدين لهم بما لا يتجاوز الـ٤ مساعدين و٤ معاوني وزير، وفقا لقانون الخدمة المدنية..

ولهذا كشفت الممارسات الوزارية حالة العداء بين الوزراء وهؤلاء النواب المعينين بقرارات جمهورية، كما حدث في وزارة الصحة والزراعة وقيام الوزراء بتهميشهم والاستعانة بعدد آخر من النواب والمساعدين من كوادر الوزارات المختلفة، ذلك لأن القرار الجمهوري لم يحدد لهم أي اختصاص وترك ذلك للوزراء والمحافظين..

وهكذا أصبحوا عبئا على التجربة بدلا من تنميتها، ولم يعد أمامهم إما أن يتمردوا على تهميشهم أو الدوران في فلك الوزير والوزارة خاصة وأن دخلهم مرتبط برضا الوزير في صرف المكافآت والحوافز، بجانب العشرة آلاف جنيه للنائب والخمسة آلاف جنيه للمساعد.

وفِي كل الأحوال لم يعد هناك المنصب السياسي في مصر، ولم نعد نلمح تلك الأسماء السياسية الكبيرة التي كانت تساهم في عمليات الاحتواء والتدريب والتوجيه السياسي والرد ببراعة على المناوئين والمعارضة سواء في الداخل أو الخارج، وكانت لهم أدوار غير مباشرة في تمرير بعض سياسات الحكم عبر التفاوض مع الكتل السياسية المختلفة، وكانت بمثابة الصنبور لتسريب الاختناق السياسي، وكانوا بمثابة حوائط صد أولية للسلطة يفرغ الناس من خلالهم الغضب والاحتقان والتوتر من بعض قرارات السلطة..

وبإختصار فإن وجود الساسة أمر صحي وطبيعي للسلطة والاستقرار، كما أن وجود الأحزاب التشطة أمر لازم لتفريغ كل شحنات المعارضة عبر القنوات الشرعية، بدلا من الخروج للشوارع والميادين، ولنا فيما جري في هذا البلد إسوة لأولي الالباب، وعندى اعتقادٌ عقلىٌّ أنّ السلطة تحتاج إلى مراجعات كبيرة، قبل أن توغل في الطرق التي هي ذاهبةٌ إليها.

ولكن- وبكل صدق- فإنّ قلبى معها، ودعائى الخالص لها، وعاطفتى العميقة معها، وخوفى عليها كبيرٌ، فهى تتطوع وتتصدّى لحمل أعباء الوطن في واحدة من أشد مراحل التاريخ صُعوبةً وقسوةً، بما يجعلُها جديرةً بكل احترام وتقدير، رغم عدم اقتناعى بكثير مما تذهب إليه.
الجريدة الرسمية