رئيس التحرير
عصام كامل

«الإدارية»: لا يجوز للمتعاقد مع الحكومة الرجوع في تنازله ما لم يكن مكرها

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

قضت المحكمة الإدارية العليا، برئاسة المستشار أحمد منصور، نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين ناصر عبد القادر ونجم الدين عبد العظيم، والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي وعبد النبي زاهر نواب رئيس مجلس الدولة، بإلغاء الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري الصادر بإلزام محافظ الجيزة بتعويض أحد المقاولين بمبلغ 328 ألف جنيه، عن عدم تمكنه من تنفيذ عملية بناء اثنى عشر عمارة سكنية بنواحي مركز الصف، بسبب أن الأرض كانت زراعية لا يجوز البناء عليها، والقضاء مجددا بإثبات ترك المدعي  للخصومة.


وقالت المحكمة: إنه يقصد بترك الخصومة نزول المدعي عن الخصومة، بنزوله عن مجموع الإجراءات التي تمت في الدعوى، ويتحقق الترك بإعلان من التارك لخصمه على يد محضر أو ببيان صريح في مذكرة موقعة من التارك، أو من وكيله، مع اطلاع خصمه عليها أو بإبدائه شفويًا في الجلسة وإثباته في المحضر، والترك تصرف قانوني يشترط لصحته ما يشترط لصحة جميع التصرفات القانونية، فيجب أن تتجه إليه إرادة من قرر به وإلا انعدم أثره، والترك لا يجوز أن يكون مقرونًا بأي شرط أو تحفظ من شأنه تمسك التارك بالخصومة أو بأي أثر من أثارها، والترك تصرف لا يجوز الرجوع فيه.

وأضافت، أنه يجوز للتارك أن يعود في تركه للدعوى ويستمر في دعواه، وذلك إذا لم يكن المدعي عليه قد قبل الترك، أو في الحالة التي لا يتوقف فيها الترك على قبول المدعي عليه، وذلك دون موافقة المدعي عليه، أما إذا كان المدعي عليه قد قبل الترك فلا يجوز الرجوع في الترك إلا بموافقته، فيجوز للتارك أن يرجع عن طلب الترك صراحة أو ضمنًا، مادام خصمه لم يقبله، أو بحكم القاضى باعتماده  والحالة الوحيدة التي يمكن فيها إبطال الترك إذا كان وليد إكراه، فمتى كان الشخص لم يقدم دليلا على أن الترك بالتنازل عن الطعن والحاصل منه كان نتيجة إكراه مبطل للرضا، فإنه يتعين عدم الاعتداد برجوعه فيه وإثبات هذا التنازل.

وأشادت المحكمة أنه قد بات مسلمًا في الفقه الإسلامى أن من تنازل عن حقه بالغا مختارا غير مدلس عليه أنه لا يصح رجوعه، فالساقط لا يعود، فإذا تقرر هذا فإن من أسقط حقًا من الحـقوق التي يجوز إسقاطها، يسقط ذلك الحق، وبعد إسقاطه لا يعـود، ولكن يشترط في إسقاطه ذلك الحق أن يكون عن رضا نفسٍ وبدون ضغطٍ أو إكراهٍ أو حياء.

وقد نصت القاعدة الفقهية على أن: "الساقط لا يعود" (المادة 51 من مجلة الأحكام)، وجاء في درر الحكام في شرحها: "الساقط لا يعود، يعني إذا أسقط شخصٌ حقًا من الحقوق التي يجوز له إسقاطُها يسقط ذلك الحق، وبعد إسقاطه لا يعود، لو كان لشخصٍ على آخر دينٌ فأسقطه عن المدين، ثم بدا له رأيٌ فندم على إسقاطه الدين عن ذلك الرجل، فلأنه أسقط الدين، وهو من الحقوق التي يحق له أن يسقطها، فلا يجوز له أن يرجع إلى المدين ويطالبه بالدين؛ لأن ذمته برئت من الدين بإسقاط الدائن حقه فيه، أما لو أبرأ شخصٌ آخر من طريق له أو سيل أو كان له قطعة وأبرأه بها، فلا يسقط حقه بالطريق والمسيل والأرض؛ لأنه لا يسقط الحق بما ذكر بمجرد الترك والإعراض ويجب لإسقاط الحق فيها إجراء عقد بيعٍ أو هبةٍ مثلًا . (درر الحكام شرح مجلة الأحكام1/89).

وذكرت المحكمة  أن المطعون ضده قام بتوثيق إقرار منه بترك الدعوى، وهذا الإقرار يدخل في عموم صور التنازل الواردة بالمادة 141 من قانون مرافعات ضمن مفهوم البيان الصريح في مذكرة موقعة من التارك أو من وكيله، مع اطلاع خصمه عليها، فهذا الإقرار الموثق بالتنازل عن الدعوى لا يعدو أن يكون مذكرة موقعة من التارك اطلع عليها خصمه وقبلها، وهذا الفهم الدقيق هو ما تبنته محكمة النقض بقولها "متى كان إقرار الطاعن المصدق عليه بمكتب التوثيق والمقدم للمحكمة قد تضمن بيانًا صريحًا بتركه الخصومة في الطعن فإن هذا الإقرار يقوم مقام المذكرة الموقع عليها منه، التي تجيز المادة 308 من قانون المرافعات إبداء ترك الخصومة ببيان صريح فيها. 

كما يعتبر تقديم المطعون ضده لهذا الإقرار وتمسكه بما جاء فيه إقرارا منه باطلاعه عليه، وقبوله ما جاء فيه من ترك الدعوى قبول ويتعين ترك الخصومة من الطاعن على هذا الأساس، ولما كان ذلك وكان الثابت بالأوراق أن الجهة الإدارية الطاعنة قدمت أصل الإقرار بتنازل المطعون ضده عن الدعوى بمكتب التوثيق المختص، ومن ثم كان ينبغى الاعتداد بهذا التنازل، دون الاعتداد برجوع المطعون ضده عن هذا التنازل بإقرار لاحق له بإلغاء هذا التنازل، إذ أن هذا الرجوع يحتاج إلى موافقة الجهة الإدارية الطاعنة التي رفضته، وتمسكت بإقرار التنازل الصادر من المطعون ضده بإرادته الحرة الواعية، والذي اكتملت أركانه، وأضحى صحيحا ومنتجًا في ترك الدعوى بعد قبول الجهة الإدارية الطاعنة له، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه، وقد قضى في موضوع الدعوى والالتفات عن تمسك الجهة الإدارية الطاعنة بإقرار التنازل من المطعون ضده  يكون مخالفا لحكم القانون واجب الإلغاء.

واختتمت المحكمة، أن المطعون ضده كان يعلم علم اليقين بمعاينته للأرض محل التعاقد  أنها من عداد الأراضي الزراعية، بل وقبل نص البند التاسع من التعاقد بالتزامه باتباع جميع القوانين واللوائح الحكومية، والمحلية ذات الصلة بتنفيذ موضوع التعاقد، بما في ذلك استخراج الرخصة، ومن المبادئ القانونية العريقة لا يعذر أحد بجهله بأحكام القانون.
الجريدة الرسمية