رئيس التحرير
عصام كامل

بين خطورة التكفير وضرورة الإيمان


يعاني بعض الناس خصومة مع الأحياء، ويبالغ بعضهم فيعادي الحياة نفسها، ويستبيح في سبيل هذه العداوة غير المبررة كلَّ الأسلحة التي تصل إليها يدُه، حتى لو حظرها الشرع، وجرَّمها القانون، وقد سجَّل التاريخ ألوانا من التعذيب والاضطهاد لم تكن تخطر على بال الشياطين، استعملها البعض ضد من يخالفونهم الرأي، لكن السلاح الخطير الذي عانت منه الشعوب على اختلاف العقائد، وتباعد الأزمنة والأمكنة، ولا يزال أثره إلى يوم الناس هذا هو سلاح التكفير.


فحين تنغلق أذهان الأفراد، ويجمد تفكيرهم، وتتعطل عقولهم عن النظر يُعاقَبُ بعضُ الناس ببينة ودون بينة، ويصبح الناس كفارا في عيون بعضهم البعض؛ ليدور المجتمع كله في فلك التكفير، وينتقل من تكفير إلى تفجير إلى تخريب إلى انتكاسة!

ولخطورة التكفير على المجتمعات ساوت النصوص بين رمي الإنسان بالكفر وقتله، وبين لعنه وقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لعن مؤمنا فهو كقتله، ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله).

ولقد أدرك الكثير من علماء الإسلام فداحة القول بكفر المسلم فاتفقوا على منع التكفير إلا بدليل ساطع، لا مُدافِع له، ولا شبهة فيه ولا تأويل، ومما نقل عنهم ما قال الغزالي: "الخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأِ في سفك محجمة من دم مسلم".

ويقرر العلماء أنه: إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه، ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حُمِل على الإيمان، ولا يجوز حملة على الكفر".

وعلى هذا المنهج من صيانة الإنسان ورعاية العقائد عاش أهل الدين الذين نهلوا العلم من معينه الصحيح.
فعلام يبيح بعض الناس لأنفسهم أن يطلقوا التفسيق والتبديع والتكفير بلا زمام ولا خطام؟!

وفي الوقت الذي تصرخ فيه كثير من أصوات العقلاء من علماء دين ومفكرين وأدباء، وتنادي بخطورة التكفير وأثره السيئ على نسيج المجتمع، وهل شوِّهت صورة الإسلام في نظر غير المسلمين إلا بهذه الفتنة التي صورت الإسلام على أنه دين إرهاب وقتل وتخريب، واعتداء على الحريات، وتضييع للحقوق.؟! أقول في الوقت الذي نصرخ فيه بما أوتينا من قوة بخطورة التكفير فإننا ننبه كذلك إلى ضرورة الإيمان، ذلك الإيمان الذي يضبط حركة الحياة، ويمنع كثيرا من المشكلات.

وإذا كان التكفير عند من يقولون به يستبيح دم الكافر على خلاف ما يقرر العلم المحرَّر، وأهله العلماء المحققون، فإن غياب الإيمان هو الذي يسبب لنا هذه الأمراض والبلايا التي أصابت مجتمعاتنا التي نشأت في رحابها رسالاتُ السماء.

فالإلحاد إفراز منطقي لغياب الإيمان، واستباحة عورات الناس والمجتمع نتيجة منطقية لغياب الإيمان، ووقوع حوادث القتل والسرقة والاختلاس وأكل المال العام نتيجة منطقية لغياب الإيمان، والرشوة والمحسوبية والوساطة نتيجة منطقية لغياب الإيمان.

صحيح أن القانون قد يضبط حركة الناس بردعهم وإيقاع العقوبات بهم، لكن إذا وجد الإيمان وسكن القلوب اختفت كثير من مشكلاتنا، ولعلنا نذكر ما مر من تاريخ هذه الأمة التي كان الناس فيها على مستوى عالٍ من الالتزام بالشرع، وكانوا يتعاملون بينهم بالمروءات فتقل الخصومات، ما خفف الأعباء عن القضاة.

روى أن أبا بكر -رضي الله عنه وأرضاه - عيَّن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه وأرضاه - قاضيًا على المدينة، فمكث عمر سنة كاملة لم يختصم إليه اثنان، ولم يعقد جلسة قضاء واحدة، فطلب من أبي بكر -رضي الله عنه وأرضاه – أن يعفيه من القضاء!

فقال أبو بكر: أمن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر؟

قال عمر: لا يا خليفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لكن لا حاجة بي عند قوم مؤمنين، عرف كل منهم ما له من حق، فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجب فلم يقصر في أدائه، وأحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه، إذا غاب أحدهم تفقدوه، وإذا مرض عادوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا أصيب عزوه وواسوه، دينهم النصيحة، وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيمَ يختصمون؟ ففيمَ يختصمون؟
الجريدة الرسمية