احذروا.. بدأ إفلاس الأناضول
يكتفي الرئيس التركي أردوغان، حتى الآن بالتصريحات الرنانة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية وانخفاض الليرة التركية بشكل يهدد كثيرا من الشركات بالإفلاس، لعجزها عن الإيفاء بالتزاماتها المادية وأعباء القروض بالعملة الأجنبية.
أردوغان أخذته العزة بالإثم ولم يخطو خطوة إيجابية تحد من خسائر الاقتصاد التركي، محملا العقوبات الأمريكية مسئولية ما يحدث، والأزمة سببها الحقيقي سياسته النقدية الخاطئة، وسيطرته على الاقتصاد والمال في البلد، ورغم تحذير الخبراء من تداعيات جمة قبل أشهر إلا أنه لم يبال وانتظر أزمة القس الأمريكي ليلقي باللائمة على العقوبات.
دعا أردوغان إلى انقلاب عالمي على التداول بالدولار في التبادل التجاري العالمي، واستبداله بالعملات المحلية للدول، رغم أن جميع العقود التجارية الكبرى في تركيا تبرم بالدولار وليس الليرة، حتى في ظل انخفاض العملة التركية 42 في المائة مقابل الدولار هذا العام.
رفض الرئيس التركي "التشكيك في اقتصاد تركيا القوى والمتماسك، من خلال التلاعب بالعملة"، مؤكدا أنه سيربح في النهاية رغم "الحرب الاقتصادية وهجمات تستهدف بلده"، وحذر في الوقت نفسه من أنه إذا انهار "الأناضول" (تركيا) فلن يكون هناك شرق أوسط أو أفريقيا أو آسيا الوسطى أو البلقان أو القوقاز، لأن الأناضول جدار صلب يحمي ما دونه.
تحذير خبراء المال والاقتصاد مطلع العام الجاري من أن تأثر البنوك التركية نتيجة انخفاض منتظر للعملة المحلية أمام الدولار، سيؤدي إلى موجة "إفلاس"، بدأ فعليا قبل ثلاثة أيام، حين تقدمت شركة تركية رائدة في صناعة الأحذية، بطلب للقضاء لإشهار إفلاسها، وسط مخاوف من توالي حالات مماثلة في ظل الوضع الاقتصادي الدقيق.
الشركة المفلسة تأسست العام 1938 لصناعة الأحذية والأكسسوارات، ولديها 162 منفذ بيع في تركيا ودول أخرى. وبرر رئيس الشركة إفلاسها "بنقص كبير في تدفق النقد بالسوق، وارتفاع معدل الفائدة لمستوى لم يكن في الحسبان نتيجة هبوط الليرة الكبير أمام الدولار، فواجهت الشركة صعوبات جمة في مدفوعات المدى القصير، ولم تستطع استكمال أعمالها، فأعلنت إفلاسها للاستفادة من حماية القانون كي تتمكن من إعادة الهيكلة مجددا".
بداية إشهار الإفلاس لشركة رائدة ستعقبها سلسلة من طلبات الإفلاس في السوق العقارية على وجه الخصوص، إن لم تتخذ الحكومة إجراءات عاجلة، وإن لم يحصل المستثمرون على قروض لاستكمال مشاريعهم، فالشركات باتت حريصة للاحتفاظ بما لديها من سيولة في ظل الأزمة الاقتصادية التركية، وكذلك البنوك أصبحت أكثر حذرا في منح القروض للشركات والمستثمرين، والنتيجة زيادة الأزمة وتوقف المشاريع و"كر سبحة" إعلان الإفلاس.
تزيد مخاوف تداعيات الأزمة الاقتصادية، أن الليرة التركية تواصل التراجع، ولم تستفد من إعلان قطر عن استثمار مباشر قيمته 15 مليار دولار، ويخشى الجميع عدم السيطرة على الأزمة مع وصول التضخم إلى مستوى قياسي بلغ 17.9 في المائة وهو الأعلى منذ 15 عاما، مما ينبئ بارتفاع فاحش في أسعار كل شئ في البلد، حتى أن البنك المركزي اعترف بأن "آفاق التضخم أظهرت "مخاطر كبيرة على استقرار الأسعار"، واعدا بضبط سياسته النقدية في اجتماعه المقبل في 13 سبتمبر.
لكن ما إن صدر مؤشر التضخم حتى تراجعت الليرة مجددا وقفزت الأسعار بمعدل لم يتوقعه البنك المركزي.
سعت الحكومة بداية الأسبوع لمواجهة التضخم، فرفعت أسعار الكهرباء والغاز الطبيعي بنسبة 14% للاستخدام الصناعي و9 % للاستخدام المنزلي، لأن انخفاض الليرة زاد من تكلفة شراء النفط والغاز، خصوصا أن تركيا تعتمد كليا على الاستيراد لتلبية احتياجاتها من الطاقة.. وهذا سيؤدي بالتبعية لزيادة أسعار تكاليف المعيشة واحتياجات الشعب.
الاقتصاد التركي يزداد صعوبة، والغريب أن لدينا من يطالع الأمر بنظرة ضيقة، وينتشي بالشماتة في أردوغان، دون أن يفكر لحظة في التأثير السلبي للأزمة التركية على مصر. ووفق بيانات وزارة التجارة المصرية فإن الصادرات المصرية إلى تركيا زادت العام الماضي بنسبة 38% وبلغت نحو ملياري دولار، وفي ظل انخفاض الليرة أمام الدولار سيضطر المستورد التركي لتقليل وارداته من الخارج بما فيها مصر، لارتفاع التكلفة عليه بالعملة الأجنبية، وسيعتمد بالتالي على المنتج المحلي لأن تكلفته أقل بكثير، وعليه ستخسر مصر الكثير مما تصدره إلى تركيا.
وفي الوقت نفسه على وزارة الاستثمار السعي للحفاظ على المستثمرين الأتراك العاملين في مصر ومنحهم تسهيلات أكبر، قبل نقل استثماراتهم إلى بلدهم، لأنه في ظل انخفاض الليرة باتت تركيا أوفر وأقل تكلفة وأكثر ربحا وسيكون التخارج من مصر سهلا.
لن نناقش مأساة الديون المصرية الآن، لكن يجب الحذر واستيعاب الدرس القاسي مما يحدث في تركيا بعد أن أغرقها أردوغان في ديون وأعباء زادت على 400 مليار دولار.