رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا تكثر «الشائعات» في مصر؟


سرعة الإعلان عن حادث محاولة شاب إلقاء قنبلة في محيط السفارة الأمريكية ساهم في قتل أي شائعات بخصوص الحادث. اتهام الشائعات بأنها ستهدم مصر أو البلدان العربية هو "شائعة" أيضًا، فالبلد المستقر لا تهزه شائعة. وثورتي 25 يناير و30 يونيو لم يقوما بسبب شائعات مغرضة ولكن لتفاقم أزمة الحكمي في مصر.


هناك أسباب علمية لكثرة وتكاثر الشائعات، وأتمنى من الدولة أن "تأخذ بالأسباب"، وألا تتعامل مع موضوع "الشائعات" بشكل سطحي وكأنها غير مسئولة عن هذه الشائعات.

تكثر الشائعات عندما يتم خنق مصادر المعلومات، ويصبح تداول المعلومات خطر على المؤسسات المعنية بنشر المعلومات، أو خطر على الصحفيين والإعلاميين، فيلتزمون الصمت. وعلميًا، تكثر الشائعات في فترات "الشك" أو "عدم التأكد". فعندما ترتفع أسعار الفاكهة مثلًا دونما سابق إنذار، يمكن الزج بشائعة عن ارتفاع أسعار سلع تموينية أخرى أساسية مما قد يدفع بالتجار لتخزين هذه السلع واحتكارها وخلق أزمة في السوق.

تكثر الشائعات عندما يكتشف الناس أن المسئولين ليسوا مسئولين، فعندما يستيقظ الناس في مصر على ارتفاع أسعار الفاكهة ولا يرون تحرك سريع من الدولة لإعادة الأسعار إلى ما كانت عليه، يعرفون أن موضوع "ضبط الأسعار" و"حماية المستهلك" وغير ذلك من شعارات هي نكتة، فما الذي يمنع المواطن وقتها من تصديق أي شائعة عن ارتفاع متوقع في الأسعار.

"فقدان الثقة" هو عامل حاسم في نشر الشائعات، فالدكتور محمد معيط، وزير المالية، قال في تصريح أمس أنه لا زيادة في أسعار الوقود خلال العام الحالي، وأضاف أنه "يجب على المواطنين معرفة أن الدولة تستورد مواد بترولية من الخارج بالدولار وبالأسعار العالمية". وفقًا لتصريح وزير المالية فأن الحكومة لن ترفع أسعار الوقود، حتى وإن ارتفع الدولار مقابل الجنيه، أو ارتفعت أسعار الوقود عالميًا.

إذا حدث العكس، لا قدر الله، ورفعت الحكومة سعر الوقود هذا العام نتيجة لارتفاع أسعار الوقود عالميًا، فكيف نلوم من يطلق الشائعة وقتها؟

الاتجاه لتصديق الشائعة ليس أيضا وليد المصادفة، بل هو نتاج "التضارب" بل وإخفاء "الحقيقة" عن الناس. 
ففي أبريل الماضي، أكدت شركة السكة الحديدية للخدمات المتكاملة وأعمال التأمين والنظافة، على لسان اللواء رفعت حتاتة رئيس الشركة، أن "مستوى الخدمة تحسن بنسبة تتعدى 90%"، وأضاف أن "مستوى النظافة تحسن بفضل لجان التفتيش والحملات المفاجئة على العاملين بالمحطات لمراجعة مستوى نظافتها". 

ومنذ يومين فقط أعلن اللواء رفعت حتاتة عن تفعيل إدارة مكافحة القوارض والحشرات لتطهير القطارات من الحشرات الضارة والفئران. من يلوم الناس على تصديقهم أي شاعة مرتبطة بنظافة السكة الحديد، إذا كانت نسبة الخدمة تحسنت بنسبة 90% والقطارات بها حشرات وفئران؟

تكثر الشائعات أيضا عندما ينتشر "القلق" بين الناس ويزيد ذلك من إحساسهم بالإحباط. وبغض النظر عن مبررات الدولة وما تحب ترديده، فهذا الشعور ليس "وليد" قوى خارجية أو مخابرات دولية، بل وهو نتيجة ظروف اقتصادية أثرت على العلاقة بين دخل المواطن والأسعار. الضغوط الحياة اليومية هي من تولد الشعور بـ"القلق" والشعور بعدم الإنجاز أو بعدم تحسن وضع الأسرة هو من يزيد الشعور بالإحباط.

تنتشر الشائعات أيضا عندما يحب الناس تصديق المعلومة. فبعض الشائعات التي يتم تناولها بشكل فكاهي أو بشكل يحمل طابع السخرية تلقى قبولا لدى الناس مما يساعد على انتشارها.

نوعية المتلقى تساعد على انتشار الشائعات، فمعظم الناس في مصر ليسوا على علاقة بمصادر المعلومات، مما يجعلهم بيئة خصبة لنشر الشائعة. حيث تشير دراسة لـ "ريتشارد فيتزجرالد"، وهي منشورة في دورية "الفيزياء اليوم" أو “Physics Today” عام 2012، أن "من يجهل المعلومة المرتبطة بالشائعة" يساهم في نشر الشائعة، وهو ما يعني أن المواطن عليه دور في تقصي مدى حقيقة ما يسمعه أو ما يصل إليه قبل نشره.

دراسة الشائعات تؤكد أن مطلق الشائعة أو مصدرها يرغب دائما في "جذب انتباه الناس"، بيد أن "الناس في مصر منتبهون" دون الحاجة لجذبهم انتباهم لأن الكثير من الشائعات ترتبط بحياتهم اليومية.

لنعكس السؤال، متى ستقل الشائعات؟ عندما يشعر المواطن بالأمان والاطمئنان. والشعور بالأمان يختلف عن الشعور "بالأمن" بمعناه التقليدي، فقد يكون هناك "أمن" وانت لا تشعر بالأمان الاقتصادي والنفسي. عندما يطمئن المواطن على حاضره ومستقبله ستقل الشائعات. عندما يخرج المواطن من منزله وهو يدعي ربه أن يوفقه ويحفظه وليس بالضرورة "أن يمر اليوم على خير وبلا مشكلات" وقتها لن يكون الناس بيئة خصبة لنشر الشائعات أو حتى تصديقها.
الجريدة الرسمية