رئيس التحرير
عصام كامل

مصر... وخطوات على طريق الحرير


كثيرا ما قرأنا وسمعنا عن طريق الحرير، ذلك الطريق التاريخي القديم، وظل الحديث عن هذا الطريق حديثًا تاريخيًا عن فترة زمنية سابقة، ولم يكن من المتوقع أن يتم تناول هذا الطريق من قبل الرئيس الصيني "شين" في عام 2013 ليكون نواة ومحورًا لأهم وأحدث مبادرة أطلقتها الصين مؤخرًا حملت اسم "مبادرة الحزام والطريق".


الصين ذلك المارد الأصفر الذي يتقدم بخطوات سريعة بل بقفزات عالية على العديد من المستويات الاقتصادية والثقافية والتكنولوجية والسياسية أيضا، والمتتبع للشأن الصيني يدرك بلا شك أن الصين كادت أن تصل إلى هدفها أن تكون أكبر قوة اقتصادية وسياسية في العالم، لكن الصين تجيد التعلم من دروس التاريخ فهي لا تريد أن تكون نسخة جديدة من الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها ترفع شعار win-win أي التعاون المفيد لها ولجميع الأطراف المتعاونة معها، وتقدم نفسها -على ما أعتقد- كنموذج جديد وبديل للولايات المتحدة الأمريكية..

نموذج لا يسعى إلى الاستئثار بالفوائد منفردا بل يسعى لنشر الخير على الجميع، ولنتتبع أولا عزيزي القارئ طريق الحرير القديم ثم ننتقل بعد ذلك إلى مبادرة الحزام والطريق لنتعرف عليها وعلى الدول التي شاركت فيها ومن بينها مصر، ولنتعرف أيضا على هيكل وبنية طريق الحرير الجديد وبعض من انعكاساته الاقتصادية والسياسية.

طريق الحرير القديم (Silk Road، or Silk Routes)، هو ذلك الطريق التاريخي القديم الذي ربط منذ ألفي عام بين أجزاء من قارة أوروبا بالمناطق الواقعة بشرق وجنوب غرب آسيا عن طريق شبكة تجارية، وقد تم تأسيس الطريق خلال عهد أسرة هان (206 ق.م – 24م) بهدف تعزيز التجارة والثقافة بين الصين وآسيا وأفريقيا وأوروبا، ويمتد الطريق أكثر من 7000 كم.

أما عن "مبادرة الحزام والطريق" الجديدة فهي تلك المبادرة التي أطلقتها الصين بعد وصول "شين بنج" إلى السلطة؛ حيث تم التركيز بقوة على السياسة الخارجية للصين، وعلى أن تُسخر لها كل قدرات الدولة في القطاعين العام والخاص.

وهذه المبادرة ستشكل المحرك الحاسم والفاصل والأقوى لأهداف الصين وطموحاتها المستقبلية، كما أن فكرة المبادرة تهدف إلى هدفين هما:
 
الأول، تحفيز التجارة والتبادل مع الدول المجاورة للصين لزيادة الصادرات الصينية لا سيما الهندسية منها.
الثاني، تدويل العملة الصينية، وخلق علاقات طيبة مع العديد من دول الجوار.

يتكون الحزام والطريق من طريقين: أحدهما بري وهو ما يعرف بالحزام ويبدأ من داخل الصين ويستمر حتى يصل إلى جنوب أوروبا عبر هولندا (نوتردام) غرب هولندا التي تعد ثاني أكبر المدن الهولندية وبها أحد أكبر الموانئ البحرية في العالم، أما الآخر فهو ما يعرف "بالطريق" وهو الطريق البحري الذي يربط بين ميناء شنغهاي الصيني والبندقية (venice) أي عند نفس النقطة التي ينتهي عندها الطريق البري.

من المحتمل أن تغطي مبادرة الحزام والطريق 65 دولة، وتضم أكثر من نصف سكان العالم (4.4 مليارات نسمة)، ونحو 30% من اقتصاد العالم، كما أن البنية الأساسية التي تحتاج إليها نحو 5 تريليونات دولار أمريكي، إن مبادرة الحزام والطريق تستهدف بالأساس ثلاث قارات هي آسيا وأفريقيا وأوروبا، وتضم 65 دولة هي الصين وروسيا ومنغوليا، و62 دولة أخرى.

مبادرة الحزام والطريق– وفقا للواقع الحالي - ما هي إلا "مظلة" كبيرة تضم تحتها مجموعة ضخمة حالية ومحتملة من البنية الأساسية سواء القائمة بالفعل أو المُخطط لها، ويصاحبها مجموعة من الاتفاقات التجارية الثنائية والإقليمية لتطوير مجموعة كبيرة وواسعة ومتمددة من الأصول، منها الطرق والسكك الحديدية والموانئ والمطارات ومحطات الطاقة وخطوط أنابيب النفط والغاز ومعامل تكرير البترول ومناطق التجارة الحرة..

فضلًا عن دعم تعزيز تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والبنية التحتية المالية والتمويلية، وحتى عام 2016 تم رصد 250 مليار دولار لمشروعات تم إنشاؤها بالفعل أو تم الاتفاق على تنفيذها. والعقبة الرئيسية أمام تطوير حركة النقل بالسكك الحديدية العابرة للقارات هي تكلفتها العالية نسبيا.

نقل البضائع والأفراد ليس هو الهدف الوحيد للصين لكنها تدعم أيضا نقل المعلومات والاتصال عبر أوراسيا، وهذا يشير إلى تطوير البنية التحتية للاتصالات، مثل الإنترنت عالي السرعة، وشبكات المحمول، وخدمات الأقمار الصناعية، وغيرها، والمكون الثاني المهم من مكونات مشروع الحزام والطريق هو: "التعاون الاستثماري".

ومن المجالات المهمة الأخرى للتعاون ضمن هذه المبادرة هو الزراعة، وذكر الجغرافي والصينيون أن التعاون الزراعي الدولي المكثف في أوراسيا سيضمن الأمن الغذائي للصين ويعطي دفعة لتنمية الزراعة في الدول الأخرى. وفي معظم هذه الدول، تعاني الزراعة انخفاض الكفاءة، وضعف المعدات التقنية والخبرة، وضعف الاستثمار، لذلك، بالنسبة لهذه الدول، ستكون الصين جذابة في مجال التعاون الزراعي.

من المتوقع أن يتم تعبئة تريليون دولار أمريكي لتمويل مشروعات بالخارج خلال السنوات العشر المقبلة، ومن المتوقع أن يستغرق المشروع من 30 إلى 40 سنة، أي في عام 2049 وهو العام الذي ستحتفل فيه الصين بمرور 100 عاما على إنشاء جمهورية الصين الشعبية.

المبادئ الرئيسة لــ"العولمة على النمط الصيني" هي السلام والتعاون والتنمية والمنفعة المتبادلة، والأهم من ذلك، التنوع والعدالة على عكس العولمة التي عرفها العالم برعاية أمريكية.

مشاركة مصر في المبادرة بلا شك سيجلب لها فوائد اقتصادية واستثمارية وسياسية كبيرة من خلال تمويل البنك الآسيوي للاستثمار، ولعل العلاقات المصرية الصينية ما هي إلا حلقة من حلقات توازن السياسة المصرية الخارجية، واستثمارات الصين الحالية والمستقبلية في مصر كبيرة جدا لا سيما في العاصمة الإدارية الجديدة والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس تلك القناة التي تمثل عنق الزجاجة للطريق البحري الصيني المرتقب.. ومن هنا يمكن تفسير الاهتمام الصيني الكبير بمصر وبتقوية العلاقات معها.

إن الحديث عن مبادرة الصين "الحزام والطريق" يطول، ولا يكفيه مجرد مقال؛ لكن يتوقع الباحثون المزيد والمزيد من الانعكاسات السياسية والاقتصادية لهذه المبادرة، ولعل البحث الذي شاركت فيه - مع مجموعة من الباحثين المتميزين من معهد التخطيط القومي- من أهم الأبحاث التي ألقت الضوء على الكثير من خصائص هذه المبادرة وآثارها الاقتصادية والسياسية، وأدعو القراء إلى الاطلاع على هذه الدراسة القيّمة التي نشرت مؤخرا ضمن "سلسلة قضايا التخطيط والتنمية" بمعهد التخطيط القومى، وحملت عنوان
"مبادرةا لحزام والطريق وانعكاساتها المستقبلية الاقتصادية والسياسية على مصر".
الجريدة الرسمية