رئيس التحرير
عصام كامل

«متجمعين في الخير».. أهالي قرية بالفيوم يجمعون 450 كيس دم لإنقاذ حياة مريض

فيتو

عقب انتهاء صلاة الجمعة الماضية، كانت المساجد الست لقرية "منية الحيط" التابعة لمركز إطسا بمحافظة الفيوم، على موعد مع حدث مهيب، الجميع ينتظر أن يلقي الإمام سلامه الأخير وينهي الصلاة، لاستقبال ماراثون ضخم حول المساجد بين طرفة عين وأخرى إلى "مستشفى ميداني كبير"، رجال ونساء يتسابقون للتبرع بدمهم لإنقاذ حياة أحد أبناء القرية الذي يحتاج إلى عملية زراعة كبد عاجلة.


البداية كانت منذ نحو خمسة عشر يوما، حينما اتجه "أشرف رمضان" 40 عاما صاحب محل لبيع الدجاج، وأحد أبناء القرية الذين يتمتعون بسيرة حسنة وطيبة بين السكان، إلى القافلة التي نظمتها وزارة الصحة في المحافظات للكشف عن فيروس سي، وسرعة العلاج للقضاء على المرض في غضون سنوات قليلة، وبتوقيع الكشف الطبي اكتشف أشرف إصابته بتليف كبدي في مرحلته المتأخرة، وأكد الأطباء أنه لا شفاء منه إلا بعملية زرع كبد.

يومها بدأ أشرف رحلة البحث عن متبرع، وحين وجده واجه أزمة أخرى تتعلق باحتياجه إلى كميات كبيرة من الدم، ويحكي يحيي على (مدرس حاسب آلي) بإحدى مدارس القرية والمشرف على حملة جمع تبرعات الدم للمريض:" أشرف ظروفه على قده، وعرف إن العملية اللي هيعملها هتتكلف نحو مليون جنيه، لحد ما سأل في جمعية، وعرف إنه مجموعة من رجال الأعمال ممكن يساعدوا في دفع المبلغ، وبقي الاختيار للشخص اللي هيتبرعله بجزء من الكبد، فحصوا كذا متطوع، ووقع الاختيار على علاء صديقه المقرب وابن عمه 38 سنة، والفصيلة الخاصة به توافقت مع أشرف، وتبقى توفير كميات الدم اللي هيحتاجها الأطباء خلال العملية".

أخبرهم الأطباء أن المريض سيحتاج إلى كميات كبيرة من الدماء، فقرر عدد من شباب القرية تبني مبادرة لجمع الدم من أهالي القرية، واتجه أحدهم إلى مستشفى قصر العيني لاستدعاء بنك دم متنقل يذهب معهم إلى القرية التي يقطنها نحو 600 ألف مواطن وتعد أكثر قرى محافظة الفيوم ازدحاما، ويستقبل عينات الدم التي سيتبرع بها أبناء القرية: " أبناء قريتنا مش جديد عليهم المبادرة في مساعدة أي حد من أهالينا في ضيق، لذلك كنا على علم إن محدش هيتأخر في الخير".

عرض يحيى وبعض المسئولين عن الحملة الأمر على مدير إدارة الأوقاف الذي وجه بدوره الأمر إلى كافة أئمة مساجد القرية، بفتح المساجد بعد الانتهاء من صلاة الجمعة لاستقبال المتبرعين والقافلة الطبية وتوفير كافة سبل الرعاية للجميع، يقول يحيى: "كلمنا مدير الأوقاف وعرضنا عليه المبادرة وافق عليها ورحب بها بل إنه طلب من خطباء المساجد الإعلان عن المبادرة، وأن هناك شابا مريضا يحتاج إلى جرعات كبيرة من الدماء لأنه يحتاجها في عملية زراعة كبد ، وأننا محتاجين الشباب والناس للتبرع". 

استعدادات مكثفة قام بها يحيي صاحب مبادرة التبرع بعد موافقة مدير الأوقاف: " أنا قبلها بيوم بالليل أخدت توكتوك وعلقت فيه ميكروفون ومشيت في البلد كلها شارع شارع.. وكان النداء "أهالي منية الحيط الكرام.. ندعوكم للتبرع لشاب من شباب القرية هيعمل عملية زرع كبد، ومطلوب التبرع بالدم يوم الجمعة القادم والمستشفى الميداني هيكون أمام الست مساجد بالقرية والدكاترة هيستقبلوا الناس".



في تمام العاشرة من صباح الجمعة الماضية، تأهب الجميع للحدث الكبير، وصلت سيارتا إسعاف وسيارة بنك الدم محملة بكافة أكياس الدم الفارغة التي سيحتاجها المريض أثناء العملية، تُلي القرآن الذي يسبق آذان الظهر وبدأت شعائر الصلاة، توجه الجميع إلى مساجد القرية التي امتلأت عن آخرها: " حتى المعاقين والإخوة المسيحيين اتبرعوا محدش فضل في بيته، كلهم كانوا قدام الجوامع".

سريعا ما أنهى الخطباء صلاتهم، ودخل الأطباء موزعين هم وطاقم التمريض على المساجد الست، " وزعنا بالتساوي الدكتور ومعاه ممرض يدخل مسجد، وبعدين كل مجموعة في مسجد، وكان فيه قدام كل مسجد توكتوكين واقفين علشان لو حد تعب أو أغمى عليه نلحقه، والستات نفسهم جم وكانوا واقفين كتير عايزين يتبرعوا".



خلال أقل من ساعة بعد أن أنهت المساجد الصلاة تحولت إلى بنوك دم ضخمة، يتراص أمامها مئات الرجال والسيدات في انتظار دورهم، وكان نحو 450 كيس دم قد امتلأت، لم يعد هناك المزيد وكان المريض بالأساس يحتاج إلى 300 كيس فقط.

يقول يحيى: "ملينا نحو 450 كيسا، وطلبنا أكياسا أكتر من مستشفى الفيوم العام فقالت: مفيش إحنا محددين عدد 300 فقط. لكن لو على أبناء القرية كان ممكن يتبرعوا بأكثر من ألف كيس لو حكمت، كانوا واقفين ملهمش عدد على باب كل مسجد منتظرين دورهم في التبرع". 

لم تكتمل اللوحة إلا يقدوم السيدات واصطفافهن أمام المساجد للتبرع للشاب أشرف، كن على استعداد بالتبرع بالكميات التي يحددها الأطباء، إلا أن القافلة كانت قاصرة على الأطباء الرجال فقط، ولطبيعة القرية المحافظة خشي الأطباء من استقبالهن، " الدكتور قال مفيش معنا دكاترة سيدات ورفضوا يستقبلوهم علشان كده"، لكن لو عليهم مكنوش يتأخروا".


لثلاث أيام جمعة متتالية على مدار الشهر، كان "حمدي أبو النور" أحد أبناء القرية، والذي كان من ضمن الصفوف الأولى من المتبرعين، يتأهب لهذا اليوم مع الأصدقاء وأبناء الجيران، يضعون خططا بديلة في حالة إذا ما حدث عجز في كميات الدم التي سيتبرع بها أبناء القرية: "قولنا هنخرج إخواتنا البنات واللي عنده صديق من مكان تاني يستدعيه، ولكن مكنش عندي شك إن كل الناس دي هتشارك وتتبرع". 

يتحدث أبو النور بمزيد من الفخر عن موقف شباب القرية: "إحنا عرفنا إن المتبرع ابن عمه، قلنا بالنسبة للدم كلنا أهله ومش هيشتري ولو نقطة دم من أي بنك دم بره، واستغللنا مواقع التواصل الاجتماعى وقمنا بالترويج للحملة على صفحات القرية والقرى المجاورة دعونا فيها الجميع للتبرع".

أما جمال عبد القوى أحد أبناء القرية والموظف بالنقابة العامة للأطباء البيطريين، فقد علم من خلال أحد التجمعات العائلية بين ابناء القرية أن هناك مريضا يحتاج لنقل دم لعمل عملية زرع كبد، ومنذ ذلك الحين بدأ في تتبع الإجراءات يتساءل كل فترة متى يحين موعد التبرع، " طبيعي إننا لما نلاقي حد من أهل البلد تعبان ومحتاج مساعدة بنقدمها، فما بال إنه شخص متربي معنا وعارفين والده وأهله!"،

الجريدة الرسمية