رئيس التحرير
عصام كامل

دروس مُستفادة من كيمنتس.. اليمين غارق في القلق والحسد

فيتو

غطت وسائل الإعلام ما يحدث في مدينة كيمنتس شرق ألمانيا بكثافة ومتابعة لصيقة، غير أن القليل منها تجاوز السطح إلى الأعماق. DW تقدم لكم هذه القراءة في محاولة لشرح الحدث ومحاولة الوقوف على أسبابه ودلالاته.

يطل تمثال نصفي لأبي الشيوعية كارل ماركس، البالغ ارتفاعه سبعة أمتار والذي يزن نحو أربعين طنًا، على الحشود المجتمعة حوله. من الصعوبة ألا يشعر المرء بالقلق في وسط الحشود الغاضبة والمنددة بمقتل الألماني دانيل أ. على يد عراقي وسوري، حسب ما تشتبه السلطات. وحضر المظاهرة، التي من بين من شارك بتنظيمها حزب البديل من أجل ألمانيا الشعبوي وحركة بيغيدا المعادية للإسلام وحركة "برو كيمنتس"، نحو ثمانية آلاف شخص.

وعلى الطرف المقابل وتحت شعار "الحب بدلًا من الكراهية" تجمع نحو 4500 مؤيد للاجئين. وبجهود 1200 عنصر فصلت الشرطة بين المظاهرتين وأمنتهما.

وبحسب بيان نشرته الشرطة الأحد الماضي، وقعت صدامات مع قوات الأمن أثناء تفريق المسيرتين المتضادتين.

إحساس بالاغتراب.. حتى من الألمان

يتملك الألمان الشرقيون إحساسا بالاغتراب عن حكومتهم ومجتمعهم، ويكرر متشددو حزب البديل، دعك من حركة بيغيدا وحركة "برو كيمنتس"، اتهامهم للساسة من "الأحزاب القديمة" والشرطة بالتآمر ضدهم. ويذهب بعضهم إلى حد القول إن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل تخطط -وبسرية- لاستبدال سكان ألمانيا الشرقية سابقًا بمهاجرين ولاجئين.

الغالبية العظمى من متظاهري اليمين في مظاهرة السبت ليسوا متطرفين ولا مؤمنين بنظرية المؤامرة، كما يدعون. غير أنهم على قناعة تامة، على عكس الإحصاءات الرسمية، أنهم عرضة لخطر متزايد وأن "طوفان" الأجانب يكتسحهم، أحد المتظاهرات قالت لمراسل تليفزيوني في DW: "تعال بعد منتصف الليل إلى هنا وانقل بكاميرتك كيف يترصدنا المهاجرون هنا. لم نعد نشعر بالأمان".

وتقول الشرطة إن موجة اللاجئين لم تؤدِ، بدورها، إلى موجة من جرائم اللاجئين.



فروقات طبقية

أحد أكثر التفسيرات شيوعًا لصعود اليمين الشعبوي هو تزايد الهوة بين الأغنياء والفقراء في ألمانيا. ويمكن ملاحظة ذلك الشعور بالغبن في صفوف حركة "بيغيدا" وحزب البديل. غير أن المتظاهرين ليسوا كتلة طبقية واحدة متجانسة. وصف أحد المتظاهرين يوم السبت غيره من المتظاهرين بأنهم "أناس بسطاء التفكير يعيشون على المساعدات الاجتماعية".

أحد أهم بواعث الشعبوية اليمنية في ألمانيا هو الحسد. إذا إن الشعوبيين اليمينيين يعتقدون أن المتظاهرين اليساريين يحظون بمعاملة تفضيلية وأن اللاجئين يتنعمون بالنقود ويرتدون الثياب الغالية ولديهم الجوالات الحديثة، بينما هم بالكاد يستطيعون تدبر أمرهم. وبالنسبة للساسة والإعلام فإن كل همهم محصور بجيوبهم ولم يعد أمر العامة يعنيهم شيئًا، حسب ما يعتقد اليمين الشعبوي.

ما يجمع اليمين الشعبوي والماركسي هو اتهامهم للإعلاميين ببيع ذممهم وتحولهم لأقلام مأجورة. تلك المقولة لا يمل الشعبويين من تكرارها ليل نهار. شعارات مثل "الصحافة كاذبة" و"على ميركل الرحيل" يتم ترديدها بكثرة هنا. كما تعرض بعض الصحفيين لاعتداءات تحت مرمى عيني كارل ماركس.



الحسد صفة إنسانية قديمة قدم البشرية، إلا أن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي غيّر البيئة الاجتماعية والنفسية وجعل من السهل التلاعب بتلك الصفة الإنسانية لتحقيق غايات سياسية، وذلك عن طريق بث ونشر أخبار زائفة. وهذا أحد أهم أسباب أجواء العداء المخيمة على مدينة كيمنتس اليوم.

استحضار الماضي

وزير الخارجية الألماني هايكو ماس حمل بشدة على "الأغلبية الصامتة" من الألمان واتهمها بالسلبية، قائلًا أن تلك الأغلبية يجب أن ترفع صوتها ضد معاداة الأجانب، لكن وبأخذ بعين الاعتبار أن حزب البديل يبدو متأهبًا للظفر بأغلبية في انتخابات ولاية سكسونيا في العام المقبل، فإنه بعيد عن الواقع وجود تلك الأغلبية الصامتة في كيمنتس أو في أي مكان من سكسونيا. في الواقع فإن الكثير من الناس لديهم رأي آخر. "أنا لست متطرفًا يمينيًا، بل أنا ضد اكتساح اللاجئين لبلدي"، يقول لي رجل وبجانبه زوجته التي تتحدث الإنكليزية بلكنة أسيوية، مردفًا أن "بيغيدا والبديل هما الملجأ الأخير لنا".

ويستحضر المتظاهرون اليمينيون الماضي في احتجاجاتهم. إذ سُمع بالأرجاء شعار "نحن الشعب"، الذي رفعه مواطنو ألمانيا الشرقية سابقًا في وجه السلطات الشيوعية في نهايات ثمانينات القرن المنصرم. كما حمل البعض ورودًا بيضاء فيما يبدو أنه محاولة للربط بين احتجاجاتهم وحركة المقاومة ضد النازية، المسماة "الوردة البيضاء".

جيفرسون تشيز/خ.س

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية