كامل زهيري يكتب: الأفواه الجائعة
في مجلة روز اليوسف عام 1959 كتب الكاتب الصحفى كامل زهيرى يقول فيه: إن العالم الثالث، تعبير أطلقه الفرنسيون على العالم المتخلف، فهناك العالم القديم وهو أوروبا، والعالم الجديد وهو أمريكا، والعالم الثالث الذي نعيش فيه.
وهذا العالم تجتاحه ثورة، هي في الحق ثورة النصف الثانى من القرن العشرين، والحقيقة المادية العارية أبلغ من أي كلام، فسدس العالم هم البيض يملكون 80% من دخل العالم كله.. وهذا الرقم يشكل أشجان وأوجاع وآلام العالم الثالث.
فهو عالم متخلف.. متطلع إلى التقدم..ولم تعد مهمة أي حركة قومية أن تحصل على الاستقلال فقط..فهو وحده لا يكفى الأفواه الجائعة، ولا الأيدي الخالية من الشغل، ولذلك فالحركات القومية تبحث عن حل أعمق، وهذا الحل يزداد تعقيدا، والمشكلة تزداد صعوبة ن لأن مجرد إدخال بعض الإصلاحات يزيد الحاجة إلى مزيد من الإصلاحات.
فغذا أدخلت الحكومة الوطنية بعض الرعاية الطبية مثلا، قلت الوفيات، وزاد المواليد، وزاد عدد السكان والأفواه الجائعة، وحين استعملت حكومة سيلان أودى تى دى لمكافحة الملاريا قلت الوفيات وزادت فرصة الحياة في العشر سنوات الأخيرة بنسبة تساوى الزيادة التي حدثت في إنجلترا في خمسين سنة.
ليس هذا الخطر وحده هو الذي يقلق أي حكومة وطنية، لكن الخطر أيضا في كل هذه الحكومات ـــ إلا قليلا ـــ تعتمد على مورد واحد كالقطن أو البترول أو المطاط أو النحاس، وان هذا المورد الواحد يباع في الأسواق العالمية، وحظه مربوط بالارتفاعات والانخفاضات والمضاربات، وهى سوق متقلبة لا تستقر يلعب فيها كثيرون، ويسيطر عليها كثيرون، ولذلك ينخفض سعر هذه المواد.. بلا رحمة.. مع أن الحكومة الوطنية تنتظر هذه الأرباح، لتصرف على جميع نواحى الحياة من مدارس ومستشفيات إلى الطرق والمصانع وغيرها.
إذن فالحكومات الوطنية تلقى ضغطا من الداخل.. هو ضعف الحاجة.. وتلقى ضغطا من الخارج هو السوق الرأسمالية وعليها أن تجد حلا للمشكلتين معا.. وبسرعة.
لأن الاستقلال لا يؤكل، والحرية لا تمضغ، والصبر قد لايطول، لأن الحماس قد يهبط، وقد ينكسر فجأة.