رئيس التحرير
عصام كامل

«أسرار مافيا التزوير».. 2000 جنيه لبطاقة الرقم القومي.. و5 آلاف جنيه للشهادة الجامعية و12 ألف دولار لـ«النوايا الحسنة».. كارنيه مستشار بالتحكيم الدولي بـ«ألف جنيه».. 10 آ

فيتو


>> الأموال العامة: المستندات المهمة مؤمنة بطرق يصعب تزويرها وحملات لملاحقة المزورين
>> خبراء قانون يفندون العقوبات ومطالبات بتعديلات تشريعية على القانون لمواكبة تطور الجريمة



القبض على قاتل طالب الشروق وبحوزته 5 بطاقات رقم قومي ببيانات مختلفة وشهادة وفاة، كشف أخطر جرائم تزوير المحررات الرسمية.. هذه ليست الواقعة الأولى، فسبقها مسجل خطر انتحل صفة ضابط شرطة ومارس مهام عمله بين قطاعات وزارة الداخلية وينهى مصالح المواطنين مقابل مبالغ مادية حتى ذاع صيته في الأوساط، لتقود «فيتو» أجهزة الأمن في النهاية لكشف هويته الحقيقة وإلقاء القبض عليه.

انتشار الوثائق و«الكارنيهات السيادية» والأختام المزورة، دفعت محقق «فيتو» للبحث عن أسباب انتشارها، والتعرف على طرق التزوير وكيفية مواجهتها وغيرها من الأسئلة يجيب عنها في السطور التالية مع مصادر أمنية وخبراء ودفاتر أحوال الأقسام.

صانع الأختام
«هنا شارع عبد العزيز بمنطقة العتبة، العشرات من الدكاكين الصغيرة تضع لافتات تصنيع «أختام، لافتات، طباعة، أكلاشيهات، الكارنيهات»، يأتي إليها المواطنون من كل صوب يرغبون في الحصول على مرادهم ثم يغادرون عقب دفع المبلغ المالي للصانع دون رقيب، كما أنه في مناطق مجاورة (عابدين – الموسكى – عين شمس – دار السلام – البساتين – حلوان – الساحل – باب الشعرية)، تنتشر المطابع لطباعة الكتب والوثائق والأوراق بآلاف النسخ.

«محقق فيتو» توجه إلى «أحمد. س» صاحب كشك لتصنيع الأختام، وطالبه بعمل ختم لشركة مقاولات، ليرد: «150 جنيها، طاب مش عايز إثبات»... انتظر برهة، قال بعدها: «هات صورة السجل التجاري والبيانات اللى عايز تكتبها وبعد يومين تعالى استلم الختم... مش كتير الفلوس.. جنيه قيمة الخشب و100 ثمن الزنك.. كل حاجة بقت غالية».

حالة التجاوب من «صانع الأختام» دفعت «محقق فيتو» للتمادي أكثر، وطالبه بـ«ختم شعار الجمهورية»، ليرد صاحب الكشك: «ده ثمنه غالى وكل حاجة بالإثبات الورق بس لو فتحت دماغك معايا اللى أنت عايزة وكل حاجة بثمنها».

وأضاف «محقق فيتو» موجهًا حديثه للشخص ذاته: «دفتر تحرير المخالفات المرورية يعمل كام» ليرد الأخير: «هو دى مش عندى بس في ناس تخصصها تعمل ده دفتر طبق الأصل شكلك عايز تعمل كمين شرطة ولا إيه».. تعالت الضحكات بين المحقق وصاحب الكشك، واتفق على مبلغ 1000 جنيه إذا أراد الدفتر، وانتهى الحديث في العودة لوقت لاحق لحين إحضار الأموال وتنفيذ المهمة.

مزور الزاوية
من منطقة العتبة توجه «محقق فيتو» إلى مبنى مباحث الأموال العامة، وداخل المبنى اطلع على دفتر التحقيقات في عدد من القضايا وكشوف بمئات الأوراق المزيفة منتشرة وإقرارات طبية وكارنيهات ووثائق وعقود عمل بالخارج وأموال مزيفة كلها منتشرة في البلاد.. لن تستطيع التفرقة بين الحقيقي والمزيف إلا إذا كنت خبيرا.

وسأل المحقق، أحد محترفي التزوير واسمه الحركي «الشيخ وائل» عن العالم الخفي لاستخراج الوثائق «شهادات الميلاد، الإعفاء من التجنيد، قرار علاج على نفقة الدولة، حكم قضائي، كارنيهات شرطية والقوات المسلحة والقضاة، عضوية الأندية، شهادات جامعية، وشهادات الإفراج الجمركي».

وأجاب «الشيخ وائل» قائلًا: «الشغلانة دى عشان تبدأ فيها صح لازم أدوات التزوير كمبيوتر وماكينة تصوير وماكينة طباعة وجهاز تغليف وماكينة قص وشبلونة مدون عليها شعار الجهة المعنية، بالإضافة أنك تكون ملما بالبرامج الحديثة المختصة في التزوير.. إذا كان شغل كمبيوتر أما الشغل اليدوى، الأختام في العتبة سهل تعمله بس ادفع كويس عشان تعدى ومحدش يقدر يفرقها عن الحقيقة لأنها شغل يدوى زى أختام المصالح الحكومية».

وأضاف: «محدش عايز يدخل السجن ولا يعمل ملايين الجنيهات، الفكرة أن الشغل ده رسالة نبيلة بنساعد الناس في إنهاء أوراقهم بدون زحام وطوابير وتسهيل الحصول على الورق صعب إنك تجيبه غير بالواسطة.. وفى الآخر بناخد فلوس قليلة مقابل تزوير الأوراق.. الناس عندنا في الزاوية الحمراء ظروفها صعبة قلت شغلانة تجيب قرشين وكمان نكسب ثواب في الناس».

وبسؤاله عن تزوير الكارنيهات والبطاقات ضحك ساخرًا، وقال: «دى أسهل حاجة ممكن تعملها، ادخل على الإنترنت هتلاقى برامج وطرق التعليم إزاى تزور أي حاجة وتعملها طبق الأصل بس الأهم تكون عندك الأدوات العمل ودى مكلفة وبعضها بتدخل تهريب».

أشهر قضايا التزوير
اعترافات «الشيخ وائل» لم تكن المحطة الأخيرة التي توقف فيها قطار «محقق فيتو» في رحلة البحث عن «الأختام والمستندات المزورة»، حيث إنه أجرى مراجعة بسجلات الأقسام والنيابة العامة، وكان القضية الأقدم في تاريخ المحاكم، تزوير مستندات ميراث محمد راتب باشا وزير الحربية في عهد محمد على باشا، التي اتهم فيها 8 أشقاء ووالدتهم وآخرون في محاولة الاستيلاء على 986 فدانا بمحافظتي القاهرة والغربية، وكان ورقة طبيب بأنه عقيم كلمة السر في الإيقاع بالمتهمين.

وفى العام الماضى، القضية رقم 287 لسنة 2017 حصر أموال عامة عليا بالاستيلاء على ملايين الدولارات من حسابات عملاء البنوك بتزوير أختام والمستندات الرقابة المالية والسفارات ووزارات التموين والعدل والتعليم والداخلية والنيابات والمحاكم.
كما تم تزوير أوراق 75 سيارة مهربة من دولة ليبيا داخل وحدة مرور الوايلى تزعمها رئيس الوحدة المرور و4 موظفين وآخرين لتنتهى بوضعهم داخل السجن بعدما قادت الصدفة مفتيش الإدارة العامة للمرور للواقعة، وذلك في غضون عام 2013.

وفي فبراير 2017، تم القبض على منتحل صفة "أحمد. ا. إ. د" مدير الحملة الانتخابية للرئيس عبد الفتاح السيسي في محافظات الدلتا، وفي 5 مايو من نفس العام تم ضبط منتحل صفة مستشار الرئيس للأمن، والذي قضت المحكمة العجوزة في وقت لاحق بالحبس عامين لنصبه على أطباء التجميل وإيهامهم بإنشاء الأكاديمية الكندية للتدريب.

25 مايو 2017، تزعم صاحب كافتيريا بوزارة الزراعة التشكيل عصابيا منتحلا صفة مستشار بالوزارة وجمع 13 مليون جنيه بزعم تقنين أوضاع اليد على الأراضي، وأمكن التوصل إلى 100 ضحية قرروا بتعرضهم لواقعة احتيال واستيلاء على مبالغ مالية تراوحت ما بين "80: 200 ألف جنيه" من قبل المتهمين بالأسلوب.

وشهد 25 يناير 2018، سقوط تشكيل عصابي تخصص نشاطه الإجرامي في تزوير بطاقات الرقم القومي، والمحررات الرسمية المنسوب صدورها للجهات الحكومية بمنطقة البساتين.
أغسطس 2018، فقد تم ضبط قاتل طالب الشروق عثر بحوزته على 5 بطاقات شخصية بنفس الصورة وأسماء ومحال إقامة مختلفة وشهادة وفاة صادرة له للهروب من أحكام قضائية.

بورصة أسعار المستندات
في السياق.. كشف مصدر مطلع، أن أسعار تزوير الأوراق تختلف حسب كل خدمة، 2000 جنيه قيمة استخراج بطاقة رقم قومى، 5 آلاف شهادة جامعية، 200 جنيه شهادة محو الأمية، 150 ألف للسفر إلى أحد بلدان الاتحاد الأوروبي، 30 ألف قيمة تجهيز ملف سيارة مهربة داخل وحدة المرور، 12 ألف دولار قيمة الحصول على شهادة سفير النوايا الحسنة، 1000 جنيه الحصول على كارنيه مستشار بالتحكيم الدولى، الشهادات الصحية بـ250 جنيها للعاملين بالمطاعم، 50 جنيها شهادة إجازة مرضية – شهادة طبية بمرض إضراب نفسى، 100 جنيه إفادة بسداد الضرائب منسوبة لمصلحة الضرائب المصرية، 10 آلاف شهادة خبرة في إدارة الأعمال من جامعة القاهرة والاتحاد الأوروبي، 1000 جنيه تعديل بيانات شهادات الميلاد، 15 ألف جنيه تأشيرة وعقد عمل في إحدى الدول العربية.

طرق تزوير البطاقات

ثلاث طرق لتزوير البطاقات الشخصية، أولها تقديم الشخص الأوراق الثبوتية إلى السجل المدنى واستخراج البطاقة بصورته وليس بيانات التي تخصه، وهذا الأمر يحدث في بعض الأوقات مثل واقعة ضابط أوسيم المزيف بسبب ضغط الأعباء على الموظفين، حسبما قال مصدر أمني بمصلحة الأحوال المدنية.

المصدر ذاته أشار إلى أن الطريقة الثانية تتمثل في استخدام برامج التزييف من قبل محترفي التزوير من خلال تغيير البيانات الشخصية والصورة وإضافة بيانات أخرى، أما الطريقة الثالثة، تورط موظف السجل المدني في عملية التزوير عبر الدخول إلى النظام وادخال البيانات والكود المحافظة أو تغيرها حسب رؤيته لعدم كشفه، مثل واقعة ضبط أمين شرطة بسجل مدني المستقبل بمحافظة السويس زور بطاقة شخصية لآخر لتسهيل الاستيلاء على نصف مليون جنيه من حساب أحد الأشخاص بالبنوك وتم ضبطهما.

في السياق قال مصدر أمني مسئول بمباحث الأموال العامة: المواطن هو المحرك الرئيسي في محاربة جميع صور تزوير المحررات الرسمية، ولجأت الدولة إلى تأمين المستندات المهمة وفقا لأسس علمية يصعب تزويرها ويسهل المواطن اكتشافها أبرزها (شهادات الميلاد والبطاقات وجوازات السفر وشهادات التجنيد) وكذا العملات الوطنية، فضلا عن امتلاكنا قاعدة بيانات كبيرة عن صانعى الأختام والمطابع، لديهم تراخيص بمزاولة المهنة ويتم تنظيم حملات تفتيشية بصفة مستمرة لتأكد من تفعيل القانون لمحاربة ظاهرة تزوير المستندات على الأسواق والمناطق المشبه بها مزاولة هذه النشاطات المشبوهة.

وأشار المسئول الأمني، إلى أنه يتم تدريب الضباط والعاملين بالإدارة على أحدث الأجهزة، وإيفاد مأموريات بالخارج للاطلاع على أحدث الأجهزة، كما تقوم الإدارة بالتنسيق مع الأجهزة المختصة لاطلاعها على أحدث وسائل التزوير والتزييف في إطار عملية التحديث والتطوير لمواكبة التغيرات، ونوه إلى أن ضباط الإدارة يتلقون بلاغات المواطنين على مدار 24 ساعة مع الاحتفاظ بسرية بيانات المبلغ، على أرقام 27921395 و27921396 وفاكس 27922389.

العقوبات

من جانبه قال المستشار القانونى، عصام أبو العلا: منذ القدم وجريمة التزوير من أشد الجرائم التي يمكن أن يصاب بها المجتمع، فليس هناك أسوأ من تشويه الحقيقة وتغييبها بل وحاولت جميع التشريعات فرض عقوبات قاسية على مرتكبي تلك الجريمة، إلا أنها ورغم جهود مكافحته لا تزال تستشري في المجتمع بل وفي ازدياد مضطرد، فكلما انهارت القيم وكلما تخلي الناس عن العادات والتقاليد ازدادت وتيرة وسرعة استشرائها في المجتمع.

وأوضح الخبير القانونى، أن «التزوير في محرر عرفي جنحة يعاقب عليها بالحبس حيث نصت المادة 215 من قانون العقوبات على أن كل شخص ارتكب تزويرا في محررات أحد الناس بواسطة إحدى الطرق، (في المواد من206:214) أو استعمل ورقة مزورة وهو عالم بتزويرها يعاقب بالحبس مع الشغل».

وأضاف: كما تضمنت المادة 216 من ذات القانون بعض حالات التزوير وهي ليست على سبيل المثال، وإنما على سبيل الحصر، فكل من تسمى في تذكرة سفر أو تذكرة مرور باسم غير اسمه الحقيقي أو كفل أحدا في استحصاله على الورقة المشتملة على الاسم المزور وهو يعلم ذلك، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وتكون العقوبة السجن لمدة لا تزيد على خمس سنوات إذا ارتكب أي من الجرائم المنصوص عليها في المادة 216 تنفيذا لغرض إرهابى.

وواصل: أما عن التزوير في محرر رسمي فهو جناية عقوبتها تبدأ من السجن إلى الأشغال الشاقة المؤقتة التي قد تصل إلى خمسة عشر عاما وهذه العقوبات نص عليها المشرع في المواد من 206 إلى 214 من قانون العقوبات، ولكن لا يجب أن يظن البعض أن كل شخص استعمل محررا مزورًا عرفيا كان أو رسميا يجب معاقبته بالعقوبة الرسميه لجريمة التزوير ذلك أنه لا بد من توافر أركان الجريمة مكتملة ويكفي في هذا الشأن أن نذكر ما تواترت عليه أحكام محكمة النقض من أن مجرد تمسك المتهم بالورقة المزورة لا يعد دليلا على أن المتهم قد زور سواءً بنفسه أو بواسطة غيره أو اشترك مع غيره في تزوير الورقة أو استعمل المحرر المزور بل يجب أن يكون عالما بأن الورقة التي يستعملها هي ورقة مزورة فإن كان عالمًا بذلك التزوير حق العقاب عليه.

وناشد الخبير القانونى المشرع المصرى، بسرعة التدخل لحصر حالات تزوير لم يتم النص عليها في المواد من 206 إلى 227 من قانون العقوبات حتى ولو تطلب الأمر إضافة فقرات إلى المواد الحالية أو إضافة مواد جديدة، وإعادة صياغة حالات التزوير في المواد العقوبات بما يتفق مع الواقع الحالي والتطورات المتطردة في المجتمع.

في السياق أكد الخبير القانونى محمد رشوان، أن جرائم التزوير تختلف حسب كل جريمة وملابساتها وظروفها؛ فالعقوبات تبدأ من سنة حتى الأشغال الشاقة والمؤبد.
وأوضح أنه «وفقا لقانون العقوبات مدة الحبس لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد على 7 سنوات كل من صنع أو حاز أدوات أو أشياء أخرى مما يستعمل في تزوير المحررات بقصد استعمالها لأغراض التزوير».

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية