رئيس التحرير
عصام كامل

البلطجية.. الدولة الحاضرة!


يوجد في حياة المصريين الحاليين، وهم بالمناسبة غير المصريين السابقين، الذين توفوا جميعا إلى رحمة الله بعد هزيمة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، قانون غير مكتوب، يمارس، ولا يُعلن عنه.. إنه قانون البلطجة، لا يصدر هذا القانون عن مجلس النواب، لكنه يصدر عن عصبة الأشقياء، هذه العصبة اكتشفت ما لم يكتشفه نيوتن ولا زويل ولا العقاد ولا السنهوري ولا أي صاحب فكر وعقل وقلم، وهو أن القوة فوق القانون، وأن القانون مخدر مؤقت لاقتضاء الحقوق، وهو مجرد ناقل لصاحب الحق من خانة المنتظر إلى خانة المقبور كمدا ويأسا!


في قانون البلطجة خذ ما في جيب غيرك بالقوة، خذ ماله، خذ عرضه، خذ أمانة، خذ أرضه بعصابة.. تتشح بقطيع من الدهماء والغوغاء، تكتيك الدهماء جربته مصر مع جريمة الخامس والعشرين المنكورة المذكورة أعلاه.

حين تخرج من بيتك تشتبك مع الشارع لأن الشارع مشتبك معك، روح البلطجة تسيطر وتهيمن بسبب من غياب السلطة عن الشارع، روح البلطجة سادت وتسود لأن معظم البلطجية والعواطلية والسوابق يجلسون إلى عجلة القيادة في توكتوك أو ميكروباص، لا رادع لهم، وكيف يمكن ردعهم وهم مسلحون بسيف أو خنجر، وكيف يمكن ردعهم وهم يعلمون أنه طلوقة في الشوارع بلا أرقام، فإذا قتل أو دهس، أفلت من العقاب لأنه بلا هوية مرورية.

وهم بلا رادع لأن بوسعهم دوما أن يمشوا عكس الاتجاه، فتراه فجأة يباغتك بأن بوظ توكتوكه ودخل دخولا في زجاج سيارتك!

كم بحت أصواتنا من ضرورة ضبط الشارع المصري، ليس فقط في القاهرة المترامية الأطراف، بل في المحافظات كافة، لكن لا مجيب، من وقت لآخر يخرج وزير ويعلن حظر التوك توك في الشوارع الرئيسية، التوك توك يكاد يدخل بالبلطجية عتبات البيوت، البلطجي مارق خارج على القانون، وهو لا يعترف إلا بقانون السيف والذبح، فهل هناك والحال هكذا أي فارق بينه وبين الإرهابي؟

تهتم الشرطة بالشق السياسي والأمني لمكافحة الإرهاب، وتبذل الدم الطاهر وتقدم للوطن أشرف أبنائنا، لكي تحمي البيت والأسرة.. لكن هناك خطرا لا يقل أثرا عن عبوات الإرهابيين وقنابلهم، وهو شيوع الإحساس بالفوضى الداخلية، نعم نعم لا بد من مواجهة الحقيقة وهي أن المجتمع في حالة انفلات أمني يقوده البلطجية، يرتعون، مطمئنين إلى انفرادهم بالجبهة الداخلية، يفرضون سطوتهم وإتاواتهم.

يخطفون الناس في عز النهار ويساومون ويقتلون، ليس ثمة جديد فيما أَسرده سوى أني أصرخ مطالبا الداخلية بالالتفات بقوة إلى ضرورة ضبط الشارع المصري، ومنع التوكتوك بالفعل، لا بتصريحات وزير التنمية المحلية، إننا نقدر كل التقدير العبء الملقى على وزارة الداخلية، لكن هذه الدماء التي تبذل لحماية المجتمع لن تضيع سدى أبدا لو واجهنا في الداخل فوضى المرور، وفوضى البلطجة.

لا ينبغي، مع ذلك، أن يقف الناس متفرجين، ولا ينبغي لبقية الوزارات أن تترك الداخلية وحيدة في مواجهة على الحدود مع جيشنا العظيم، وفي مواجهة في الداخل، بل لا بد من تقديم مساندة إعلامية كاملة ولا بد من ظهور قوي للدولة في مواجهة البلطجية.

الأمن شعور عام، إن غاب للحظة ساد أعواما، ونحن كدنا نشعر به، لولا السفلة، الجهلة، الغوغاء، الذين يعتبرون حقوق الناس وممتلكاتهم حقا لهم يجب الفوز به رغم أنف الدولة.
غياب الدولة حضور كامل للبلطجية.
الجريدة الرسمية