تطورات جديدة في أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية
مر أكثر من ثلاثة شهور على تكليف سعد الحريري –رئيس تيار المستقبل– بتشكيل الحكومة اللبنانية، مما اضطره أمس لتهديد من يعطل عملية تشكيل الحكومة بأنه سيكشف للبنانيين أسمائهم في حال لم ترى حكومته النور قريبًا.
وبعيدا عن التهديد، فتصريح سعد الحريري يكشف عن قلة حيلته، فهو حتى كتابة هذه السطور، عاجز عن إخراج حكومته المنتظر أن تضم 30 وزيرا.. ولكن الأهم من قلة الحيلة هو معرفة الجهات التي تقف وراء تعطيل تشكيل الحكومة، مع ملاحظة أن الحقيقة في السياسة اللبنانية ليس مطلقة، فهي مرتبطة بالأحزاب والطوائف.
أصابع الاتهام تتجه لجبران باسيل رئيس "التيار الوطني الحر"، وهو متهم منذ وصول والد زوجته، الرئيس ميشال عون لسدة الحكم، بأنه أصبح الحاكم الأمر.. هذا الاتهام لم يخرج من سعد الحريري، لكن معظم اللبنانيين يعرفون به، فهو ليس سرًا، وهو محل تداول وسائل الإعلام وبعض السياسيين..
حتى أن النائب عن حزب "القوات اللبنانية"، عماد واكيم، قال ذلك صراحة في حديث إذاعي، إذ أشار إلى رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، "يعرقل تشكيل الحكومة لأنه يضع الشروط ويأخذ دور رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية". الإعلام الموالي لحزب "القوات اللبنانية" كرر هذا الاتهام أكثر من مرة، متهمين جبران باسيل بأنه يريد الحصول على حصة وزارية أكبر من حجم تمثيله الحقيقي في البرلمان.
تشكيل الحكومة معقدا لسببين: الأول أن رئيس الحكومة لا يشكل الحكومة حسب نسبة نواب كل كتلة سياسية أو حزبية وإنما بالاتفاق بين الكتل السياسية والأحزاب، والثاني وهو الأكثر تعقيدًا: أن الحريري يواجه خلخل في توازن الحكومة، فعدد وزراء 8 آذار، الذي يضم التيار الوطني، حزب الله، حركة أمل، وتيار المردة، سيكون أكبر بكثير - عندما نضيف لهم وزراء رئيس الجمهورية – من عدد وزراء تكتل 14 آذار، الذي يضم عادة "تيار المستقبل"، حزب "القوات اللبنانية"، حزب "الكتائب"، مضافا إليه ثلاث وزارات للدروز ممثلة في "الحزب التقدمي الاشتراكي" برئاسة وليد جنبلاط.
وستبقى مشكلة طلال أرسلان، رئيس "الحزب الديمقراطي اللبناني" – وهو درزي -ولكنه لن يكون ضمن عباءة جنبلاط.
والمشكلة –على مايبدو- تتمحور حول حصتي "التيار الوطني الحر"، و"رئيس الجمهورية"، حيث تقول المصادر أن جبران باسيل يرغب في الحصول على 6 وزارات لتياره، بينما ستكون حصة "رئيس الجمهورية" ثلاث وزرات. هذا العدد يؤمن للتيار الوطني 9 وزارات، باعتبار أن رئيس الجمهورية، ميشال عون، كان رئيس "التيار الوطني الحر".
وبعملية حسابية بسيطة، وبعد إضافة وزراء "حزب الله" (ثلاث وزراء)، ووزراء "حركة أمل" (ثلاث وزراء)، مضافًا إليهم وزير يعبر عن تحالف "تيار المردة" مع "فيصل كرامي"، يكون عدد وزراء تكتل 8 آذار، 16 وزيرًا، وقد يكون العدد أكبر إذا طالب رئيس الجمهورية بعدد أكبر من الوزراء.
المصادر تقول أن سعد الحريري، سيحصل لتياره – وأقصد هنا "تيار المستقبل" – على خمس وزرات، في بينما يحاول الحريري أن يؤمن لحليفه السابق –سمير جعجع– خمس وزارات أيضًا، في حين قال جعجع أن القوات تقبل بـ أربع وزرات على أن تكون بينهم وزارة سيادية.
ومع إضافة ثلاث وزارات "للحزب التقدمي الاشتراكي"، ووزارة "لحزب الكتائب" يكون عدد وزراء تكتل 14 آذار 14 نائبًا. وقد يصبح الأمر أكثر سوءًا للحريري إذا خرج أصر طلال أرسلان على أن يكون بين الوزراء أو ينوب عنه من يمثله، فربما يقل عدد وزراء 14 آذار إلى 13، لأن أرسلان ليس على وفاق مع وليد جنبلاط، وربما يرى اتخاذ موقف المستقل حتى يضايق جنبلاط.
لا أحد يعرف متى سترى الحكومة اللبنانية النور، فما إن تتفق القوى السياسية على حصتها من الوزرات، حتى يختلفوا حول طبيعة الوزارات.. فسمير جعجع لن يتنازل عن وزارة سيادية، وتلك مشكلة أخرى تواجه الحريري، فوزارة الدفاع محجوزة لرئيس الجمهورية، ووزارة المال محجوزة لنبيه بري رئيس "لحركة أمل" الشيعية. "التيار الوطني الحر" يتمسك بوزارة "الخارجية"، وسعد الحريري "يتمسك "بوزارة الداخلية"، ولا توجد وزارة سيادية لسمير جعجع.
وأعتقد أن الحريري يحاول تحقيق التوازن في عدد الوزراء على حساب طبيعة التزوير، وإلا سيخسر التصويت داخل مجلس الوزراء في كل مرة. وكما هو الحال دائمًا، تعاني الحكومة الجديدة من ولادة متعسرة، وهي بالفعل أشبه بالولادة من حيث الزمن الذي تستغرقه، واشتهاء الكتل السياسية لوزارات بعينها.