هوس الطاقة.. الوثنية تبعث من جديد
أصيبت المجتمعات العربية في الآونة الأخيرة بهوس جديد يضاف لقائمة عجائب وغرائب العرب في التاريخ المعاصر، وصار من أبناء جلدتنا من يعتقدون أن الطاقة تؤثر سلبيا أو إيجابيا على جميع مناحي حياتهم، سواء العمل أو الزواج وحتى الطعام.
ومن تلك العجائب الكارثية خروج إحدى خبيرات الطاقة لتتحدث عن وضع الثلاجة في المطبخ وتأثيره على بركة الطعام في المنزل!! والأعجب بالطبع هو وجود من يصدقها ويؤمن بذلك إيمانا جازما لا يخالجه أدنى شك وكأن الله تعالى لم يقل في كتابه الكريم «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ».
وانتشرت بضاعة هوس الطاقة في جميع طبقات المجتمع ما بين ثياب وأدوات زينة وحتى الزهور والنباتات، وعلق الآلاف عليها الآمال ونكثوا عن طريق الجد والعمل وفسروا كل نجاح وإخفاق باعتباره تأثيرا سلبيا أو إيجابيا للطاقة على حياتهم.
واللافت للانتباه أن هؤلاء المتكسبين من هوس الطاقة يتحدثون بمصطلحات علمية لإيهام الناس بصحة ادعاءاتهم، ومن ذلك استخدام عبارات كـ "ميكانيكا الكم" أو "فيزياء الموجات" و"الجذب"، وغيرها من المصطلحات الفيزيائية لإيهام الناس بأنهم يتحدثون بلغة العلم، بينما هم في الحقيقة أبعد ما يكونون عن العلم التجريبي الحقيقي، والواقع أن العلم الفيزيائي الذي يستخدمون مصطلحاته هو بدرجة عالية من الصعوبة والتعقيد والرفعة، ما يجعلهم غير قادرين على استيعاب حقيقته وحقيقة رياضياته المعقدة، لذلك تقتصر جهودهم الخداعية على استخدام مصطلحاتها كحد أقصى.
ورغم هذا الحديث المتقعر لم يحدد لنا جهابذة الطاقة عن أي نوع منها يتحدثون فهل يتحدثون عن الطاقة الكهربائية؟ أم الحرارية؟ أم الحركية، أو ربما الداكنة؟ هل يعرفون عم يتحدثون؟ أم أنهم يتحدثون عن طاقة وهمية وغير فيزيائية؟
ويؤكد الخبراء الذين ابتُليت بهم ديارنا وأصبحوا يطلون علينا عبر كل وسائل الإعلام أن الكون طاقة، يحوي ذبذبات موجبةً طبعُها الإيجابية والفاعلية والبناء، وأخرى سالبة طبعها السلبية والهدم، فالأولى: تجذب السعادة والحب والغنى والفرح والتوفيق والصحة، والأخرى: تجذب الخوف والمشكلات والكوارث والمعاناة والمصائب والمرض.
والواقع أن علوم الطاقة بمنظور التأثير على القضاء والقدر هو إحياء لعقيدة المجوس التي تقول: إن "يزدان" إله النور فكر في نفسه أنه لو كان لي منازع كيف يكون؟ وهذه الفكرة كانت رديئة غير مناسبة لطبيعة النور، فحدَث الظلامُ من هذه الفكرة وسُمي "أهرِمَن" وكان مطبوعًا على الشر والفتنة والفساد والفسق والضرر والإضرار، و«النور والظلمة أصلان متضادان وكذلك "يزدان" و"أهرِمَن" وهما مبدأ موجودات العالم، وحصلت التراكيبُ من امتزاجهما، وحدثت الصور من التراكيب المختلفة».
إن وثنيي الصين قالوا بمثل قول خبراء الطاقة وأكدوا أن الكون وما فيه من أحداث إنما هو ناتج عن تفاعل «طاقتين قطبيتين»، إحداهما تدعى «يِن» (yin) وتمثل «العنصر المؤنث والسلبي والضعيف والهدام»، والأخرى تدعى «يانج» (yang) وتمثل «المذكر والإيجابي والفاعل والبناء».
فهل جاوز ما يقول خبراء هوس الطاقة عن هذه الوثنيات قيد أنملة، وهل العلم لم يؤثر في عقولنا حتى نعود لفلسفات نبذها أصحابها وأصبحت بالنسبة لهم مجرد حقبة تاريخية مرت عليها آلاف السنين.