رئيس التحرير
عصام كامل

أثر المال على الديمقراطية


كما سبق أن ذكرنا، تعتبر الديمقراطية إبداعا إنسانيا، اهتدت إليه البشرية عبر سلسلة طويلة من التجارب والمعاناة.. ولأن الديمقراطية منظومة ترتكز على الحرية والتعددية السياسية والتداول السلمى للسلطة، وأن الشعب مصدر السلطات، مع ضرورة احترام سيادة القانون وتنفيذ أحكام القضاء، علاوة على الفصل الحقيقى والتوازن الفعلى بين السلطات؛ التنفيذية والتشريعية والقضائية، فإن أى خلل فى هذه المنظومة، لابد وأن يؤدى إلى ديمقراطية عرجاء.


وحتى يكون هناك تداول سلمى للسلطة، لابد من وجود تعددية سياسية حقيقية، تتمثل فى أحزاب قوية لها حضورها وتأثيرها فى الشارع الساسى.. والمتأمل فى واقعنا يجد أننا مازلنا فى بداية الطريق، وأننا نفتقر إلى تلك النوعية من الأحزاب التى تشكل تنافسا قويا وحقيقيا يحقق بالفعل إمكانية تداول سلمى للسلطة.. هناك مشكلات تواجه الأحزاب، خاصة الناشئة منها.. وكما هو معلوم، لكى يتأسس أى حزب لابد له من مال، ورجال، وهياكل تنظيمية وإدارية، ولجان نوعية وفنية، وبرامج ووسائل وأهداف..إلخ.

ويلعب المال دورا كبيرا فى عملية التأسيس، من حيث التعريف بالحزب والتسويق له والترويج لأفكاره ومبادئه..فالمؤتمرات الجماهيرية، والنشرات (الدورية وغير الدورية)، والإعلان عن الحزب وبرنامجه عبر وسائل الإعلام المختلفة، والحركة والتواصل بين الناس، وإنشاء المقرات فى المحافظات، كل ذلك يتكلف أموالا طائلة.

أذكر أنه عندما فتح الباب أمام إنشاء الأحزاب بعد الثورة مباشرة، حاولت مجموعات من الأفراد إنشاء أحزاب لها، لكنها لم تستطع المضى قدما حتى نهاية الشوط، حيث وقف المال عائقا.. وظلت هذه الأحزاب تحت التأسيس إلى يومنا هذا..


حتى الأحزاب التى استطاعت أن تحصل على رخصة التأسيس والإشهار، لم تتمكن من المشاركة فى الانتخابات البرلمانية الماضية، واكتفى البعض منها بمشاركة رمزية، ليس بسبب عدم وجود قدرات وكفاءات بشرية، ولكن نتيجة لعدم توافر المال اللازم فى الدعاية والحملات الانتخابية.. فقط الأحزاب التى تمتلك المال، هى التى استطاعت أن تخوض غمار المشاركة والمنافسة بشكل قوى وفاعل..

من ناحية أخرى، نحن لدينا مشكلة كبيرة فيما يتعلق بتأثير المال على الممارسة الديمقراطية، وهى أن 40% من الشعب المصرى تحت خط الفقر، وفى الغالب الأعم ما تستغل حاجة الفقراء فى شراء الأصوات، سواء تم ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، أثناء العملية الانتخابية.. ومن هنا كانت ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية.

فى الانتخابات البرلمانية الماضية، كان حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، هو المتصدر للمشهد، يليه حزب النور السلفى..أما بقية الأحزاب فقد كان تواجدها ـ إلى حد ماـ محدودا وحضورها متواضعا.. وبالتالى، فأى انتخابات برلمانية قادمة ربما تكون محسومة لصالح هذين الحزبين (وبالنسب الماضية) إذا ظل الحال على ما هو عليه.. أما إذا اختلفت المعادلة وتغيرت خريطة التحالفات السياسية، فساعتها يمكن أن نتحدث عن منافسة حقيقية وتداول تداول سلمى للسلطة.
الجريدة الرسمية