رئيس التحرير
عصام كامل

روشتة للصحافة


كان لافتا للنظر تعجب الرئيس وهو يرد على سؤال أحد الحاضرين في بني سويف بقوله (هو ماحدش بيقولكم ولا بيشرح لكم ليه)، كانت العبارة تعني أن وسائل إعلام الشعب لا تقوم بمهمتها بعد أن سيطر أهل الثقة على المنصات الإعلامية بفعل فاعل، وباتت الصحف والقنوات في واد وهموم مصر وأهلها في واد آخر، فهجرها الجمهور وكادت تغلق أبوابها.


وكأننا فوجئنا بالأزمة، وكأن ما يحدث في العالم شأن يخصهم وليس لنا علاقة به، ويبدو أننا كالعادة نسعى لإعادة اختراع العجلة ولهذا كثر في تلك الأيام الحديث عن أزمة الصحافة، فهل هناك أزمة في الصحافة المصرية نعم هناك أزمة كادت تصل منتهاها، لأننا لن ننتبه لما يحدث للصحافة في العالم وكأننا محصنين، ولم نعبأ كثيرا عندما أغلقت كبريات الصحف والمجلات أبوابها وتحولت لمواقع إلكترونية..

بل لم نتوقف عندما أغلقت صحف عربية كبيرة كانت تمول من دول الخليج وحققت طفرات مهنية كبرى، بل على العكس كان العالم يبحث في آليات تطوير الصحافة الإلكترونية بينما كنا نتوسع في إصدار الصحف والمجلات الورقية، ونهمل الصحافة الإلكترونية، ونحظر انضمامها لنقابة الصحفيين، وأن حدث يكون على مضض..

وخلاصة الأمر أن العقول القديمة لم تعد تصلح لإدارة المستقبل، وإلا سيُصبِح مصير الصحافة المصرية الانقراض مثل الديناصور الذي كان أضخم خلق الله ولكنه انقرض عندما فشل في تطوير نفسه مع التطور بينما عاشت النملة واستمرت لأنها نجحت في التكيف مع المتغيرات..

وكل ما هنالك إن أهل المهنة انشغلوا بكل شيء إلا تطوير مهنتهم وأنفسهم، وراحت الهيئات المسئولة تشغل نفسها بهوامش الصحافة والتعيينات والترقيات والعلاوات والأرباح والحوافز، وبالتالي فإن كل ما يبدو الآن هو مجرد أعراض لأمراض مزمنة، كل ذلك كان يمكن التعامل مع الظرف العالمي لأزمة الصحافة بأقل قدر ممكن من الخسائر لو كان المناخ المحيط بالصحافة ملائما..

والقاعدة المعروفة أنه لا صحافة بدون أحزاب نشيطة وحرية تداول المعلومات، وبدون حرية نشر، وبدون شفافية، وبدون برلمان فاعل وحيوي وجلساته على الهواء يناقش الاستجوابات، وتكون المعارضة واضحة ولها شرعية وحق الكلام في أمان بدون ضغوط، ولا يمكن ازدهار الصحافة أيضا بدون منابر ثقافية، وبدون تعدد سياسي، وبدون قضاء مستقل، وكلها شروط لازمة لكي تعمل الصحافة وكلها كالوقود للسيارة، لا يمكن الحركة خطوة واحدة بدون هذا الوقود..

غير أن المتابع لأحوال المهنة يكتشف أن الأزمة تكمن أساسا في المسئولين عن إدارة الأزمة وقد برعوا في الوصف السطحي للأزمة مركزين على البعد الاقتصادي واستدعاء ارتفاع أسعار الورق والأحبار وكل مستلزمات الصناعة، وبدلا من أن تتحدث الصحافة عن الناس راح الناس يتحدثون عن الصحافة..

ونسي القائمون على أمر المهنة أن أبسط حل لمعظم المشكلات يتلخص في أن الناس تشتري السلعة التي تحتاجها، وسوف يعودون لتمويل الصحف سواء عن طريق التوزيع أو الإعلان عندما تتحدث الصحافة عنهم، وعندما يكون هناك تنوعا في المحتوى، وأي كلام آخر هو مسكنات لتأجيل موعد الانتحار الجماعي..

ذلك لأن عمليات الاستجداء الموسمية للحكومة لضخ مزيد من الأموال هو الحل الكسول الأناني الذي يرحل الأزمة للأجيال الأصغر، وهي حلول تغطي فشلهم وقصر نظرهم، لأن معنى رفض الحكومة التدخل هو بمثابة نزع خراطيم الأوكسجين عن حالة الموت السريري للصحافة، وبعد كل ذلك تجد من الحنجوري من يطالب باستقلالية الصحافة، وهو يقبض راتبه وأرباحه من الحكومة على أعمال لم يقم بها وأرباح من مؤسسات خاسرة..

وبالتالي فإن الرهان على المساعدات الحكومية فقط ليس حلا، ويمكن للمؤسسات الصحفية أن تبادر بتحويل كل الإصدارات إلى ملاحق أسبوعية تصدر مع الجريدة الأم، بحيث يصدر كل يوم ملحق، وهو ما يؤدي لتقبل نزيف الخسائر، وفِي نفس الوقت تصبح تلك الملاحق قيمة مضافة تحقق التنوع للقارئ، الذي بات لا يرى اختلافا يذكر في معظم الصفحات الأولى للصحف القومية..

وفِي نفس الوقت كاد التحقيق الصحفي الجريء أن يندثر، فلم يعد بالجريدة ما يغري القارئ بشراء تلك الصحف المتشابهة، والأمر المؤكد أن العالم كلة راح منذ فترة يعمل على المؤسسات المتكاملة داخل غرف الأخبار المدمجة (News room) التي تنتج قصصا إخبارية صالحة للنشر على الموقع الإلكتروني وفِي الجريدة وفِي الإذاعة أو عبر الفضائيات تدعمها مجموعات السوشيال ميديا، لتسويق المحتوى والتفاعل مع جماهير كل الوسائل، بمعنى أنهم اعتمدوا التكامل وليس الإلغاء، وتلك هي أحدث روشتة لمواجهة الأزمة الآن وليس غدا.
الجريدة الرسمية