كيف فعلتها يا «موخيكا»؟
"خوسيه موخيكا" هو الرئيسُ السابق لأروجواى، والذي اصطلح الإعلامُ على وصفِه بـ "أفقر رئيس في العالم"، بسببِ زُهده في متع الدنيا، وتقشفِه اللافت، وعدم استغلال نفوذه، وقتَ أن كان رئيسًا، ورفضِه الإقامة في القصر الرئاسى، والاكتفاء بسيارةٍ رخيصة جدًا.. "يا لهُ من رئيسٍ ساذجٍ جدًا"!
"موخيكا" عادَ إلى الأضواء مُجددًا، عندما أعلنَ عن عدم رغبته في الحصول على أي راتبٍ تقاعديٍّ عن فترة خدمته كنائبٍ في مجلس الشيوخ، مُكتفيًا بالفترة التي قضاها، بسبب تقدمه في السن، حيث إنه عانق عامه الثالث والثمانين مؤخرًا.. "يا لهُ من شخصٍ مُتهوِّرٍ لا يزنُ الأمور جيدًا"!
"موخيكا" لم يكتفِ بهذا، بل إنه أنهى خطاب الاستقالة بعبارةٍ إنسانية فريدة وهى: "أعتذرُ لأي زميلٍ ربما جرحتُه شخصيًا في ذُروة الجدل".. "إنه بحقٍ رجلٌ بائسٌ جدًا"!
كيف فعلتها يا "موخيكا"، وأنت لم تتلمذْ على أيدى المشايخ، ولم تتربَّ في كنف الرهبان والقساوسة، من أين أتيتَ بكلِّ هذا الزهد والتقشف، ألا تملكُ "نفسًا أمَّارةً بالسوء" تُقنعُكَ بألا تتركَ مناصبَك طواعيةً، أو أن البلادَ سوف تضيعُ حالَ تخليِّك عن منصبك الرئاسى، ومن أقنعك بأن بلوغك 83 عامًا "مبررٌ وجيهٌ" لأن تترك المشهد السياسي، فأنت لا تزال شابًا يافعًا..
كيف تنصرفُ هكذا في هدوءٍ وتمضى دونَ مُظاهراتٍ غاضبةٍ أو ثوراتٍ عارمةٍ تطيرُ فيها الرؤوسُ وتنهمرُ فيها الدماءُ أنهارًا؟ ثم ما هذا الذي فعلته يا "موخيكا"، كيف تعتذرُ لمن أخطأتَ في حقهم؟ فالحُكامُ، حتى لو كانوا سابقينَ، لا يعتذرون يا سيدى، فشعوبُ العالم الثالثِ ليستْ جديرةً باحترام الحُكام وتقديرهم واحترامِهم.
يا "موخيكا".. ما هكذا توردُ الإبلُ، ولا تُحكمُ الشعوبُ، حتى لو كانوا من العالم الثالث، ولكنَّ الشعوبَ خُلقتْ ليمارسَ الحُكامُ عليها جميع صنوف الإذلال والإهانة والمهانة.
ربما اتخذتَ يا "موخيكا" هذه القراراتِ، في لحظاتٍ انفعاليةٍ غير محسوبة، ربما تفتقدُ لـ"بطانة السوء" التي تمنعُك عن اتخاذ مثل هذه الخطوات، والتي تُحرضك على إذلال شعبك بما يكفى، واعلمْ يا سيدى أن "بطانة السوء" لا غنى عنها لأى حاكم، ليستمرَّ حكمُه وتُقوى دعائمُه، دونَ استقالاتٍ أو اعتذاراتٍ، وحتى لا تُفسدَ على الملوك ملكَهم، والحُكام حُكمَهم، والرؤساء نزواتِهم..