قصة «كسوة الكعبة» من «تبع الحميري» لـ«سلمان بن عبد العزيز».. بدأت في الجاهلية واستمرت في عهد الخلفاء الراشدين.. الملك عبد العزيز يتولى المسئولية بعد تأسيس المملكة.. والتط
تعد كسوة الكعبة المشرفة من أهم مظاهر التبجيل والتشريف لبيت الله الحرام، ويرتبط تاريخ المسلمين بكسوة الكعبة المشرفة وصناعتها حيث برع فيها أكبر فناني العالم الإسلامي، وتسابقوا لنيل هذا الشرف العظيم، وهي كساء من الحرير الأسود المنقوش عليه آيات من القرآن من ماء الذهب، تكسى به الكعبة ويتم تغييرها مرة في السنة، صبيحة يوم عرفة.
وتجرى بعد صلاة فجر يوم غد التاسع من شهر ذي الحجة، مراسم استبدال كسوة الكعبة المشرفة على يد 160 فنيًا وصانعًا جريًا على عادة الرئاسة العامة لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي في مثل هذا اليوم من كل عام.
وتأتي الحكمة من كسوة الكعبة أنها شعيرة إسلامية، وهي اتباع لما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام من بعده، فقد ورد أنه بعد فتح مكة في العام التاسع الهجري كسا الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع الكعبة بالثياب اليمانية وكانت نفقاتها من بيت مال المسلمين.
الخلفاء الراشدون
وجاء الخلفاء الراشدون من بعد الرسول، حيث قام أبو بكر وعمر رضي الله عنهما بكسوتها بالقباطي والبرود اليمانية، ثم كساها عثمان بن عفان رضي الله عنه بكسوتين؛ إحداهما فوق الأخرى، فكان هذا العمل الأول من نوعه في الإسلام.
ويعود تاريخ كسوة الكعبة لما ذكر عن (عدنان بن إد) الجد الأعلى للرسول، هو واحد ممن كسوها، وقيل أن (تبع الحميري) ملك اليمن هو أول من كساها في الجاهلية بعد أن زار مكة، وهو أول من صنع للكعبة بابًا ومفتاحًا.
وبعد (تبع الحميري) كساها الكثيرون في الجاهلية، حتى آلت الأمور إلى (قصي بن كلاب) الجد الرابع للرسول، والذي قام بتنظيمها بعد أن جمع قبائل قومه تحت لواء واحد وعرض على القبائل أن يتعاونوا فيما بينهم كل حسب.
حتى ظهر أبو ربيعة عبد الله بن عمرو المخزومي، وكان تاجرًا ذا مال كثير وثراءٍ واسعٍ، فأشار على قريش أن: اكسوا الكعبة سنة وأنا أكسوها سنة، فوافقت قريش على ذلك، وظل كذلك حتى مات وتوارثت قريش هذا العمل حتى فتح مكة ثم جاء عهد الدول الإسلامية ، وظهور الكتابة على الكسوة ، وفي عصر الدولة الأموية كسيت الكعبة كسوتين في العام كسوة في (يوم عاشوراء) والأخرى في (آخر شهر رمضان استعدادا لعيد الفطر) ؛ ثم اهتم الخلفاء العباسيون بكسوة الكعبة المشرفة اهتمامًا بالغًا، نظرًا لتطور النسيج والحياكة والصبغ والتلوين والتطريز وتخصص في ذلك أهل (تنيس ، وتونه ، وشطا) من المدن المصرية ، وفي عهد الخليفة المأمون فقد كسا الكعبة المشرفة ثلاث مرات في السنة، وظهرت الكتابة على الكسوة منذ بداية العصر العباسي فكان الخلفاء من الأمراء يكتبون أسماءهم على الكسوة ويقرنون بها اسم الجهة التي صنعت بها وتاريخ صنعها.
السعودية
وشرعت المملكة العربية السعودية منذ عهد المؤسس أبواب الصناعة لكسوة الكعبة عبر دار خاصة بمحلة أجياد أمام دار وزارة المالية العمومية بمكة المكرمة في عام 1346 من الهجرة وبهذه تعد أول حلة سعودية تصنع في مكة المكرمة.
وتواصل الاهتمام من أبناء المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود في العناية في صناعة الكسوة وتطويرها حيث انتقل مصنع كسوة الكعبة سنة 1397 هـ من الهجرة إلى مبناه الجديد بأم الجود ، وقد تم تجهيزه بأحدث المكائن المتطورة في الصناعة ، وظلت حتى الآن تصنع في أبهى صورها ويتم استبدال كسوة الكعبة المعظمة في اليوم التاسع من ذي الحجة من كل عام.
وتمر مراحل كسوة الكعبة المشرفة بمجموعة من الأقسام الفنية والتشغيلية على النحو التالي:
الصباغة
هي أولى مراحل إنتاج الكسوة بالمصنع؛ حيث يزود قسم الصباغة بأفضل أنواع الحرير الطبيعي الخالص في العالم ، ثم النسيج الآلي الذي يحتوي على العبارات والآيات القرآنية، ثم قسم المختبر والذي يقوم بإجراء الاختبارات المتنوعة للخيوط الحريرية والقطنية من أجل التأكد من مطابقتها للمواصفات القياسية المطلوبة من حيث قوة شد الخيوط الحريرية ومقاومتها لعوامل التعرية إضافة إلى عمل بعض الأبحاث والتجارب اللازمة لذلك ، يأتي بعدها مرحلة الطباعة ، والتي يتكون منها قسم الحزام التطريز وقسم خياطة الكسوة ، ثم وحدة العناية بكسوة الكعبة المشرفة.
وعقب أنتهاء جميع مراحل الإنتاج والتصنيع وفي منتصف شهر ذي القعدة تقريبًا يقام حفل سنوي في مصنع كسوة الكعبة المشرفة يتم فيه تسليم كسوة الكعبة إلى كبير سدنة بيت الله الحرام ويقوم بتسليم الكسوة الرئيس العام لشئون المسجد الحرام المسجد النبوي.
وتأتي آخر قطعة يتم تركيبها هي ستارة باب الكعبة المشرفة وهي أصعب مراحل عملية تغيير الكسوة، وبعد الانتهاء منها تتم عملية رفع ثوب الكعبة المبطن بقطع متينة من القماش الأبيض، وبارتفاع نحو ثلاث أمتار من شاذروان (القاعدة الرخامية للكعبة) والمعروفة بعملية (إحرام الكعبة).
ويرفع ثوب الكعبة لكي لا يقوم بعض الحجاج والمعتمرين بتمزيقه للحصول على قطع صغيرة طلبا للبركة والذكرى.
وصدرت موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بتغيير مسمى مصنع كسوة الكعبة المشرفة إلى مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة وذلك في شهر شعبان من عام -1438 للهجرة.