طارق عامر.. وشقاء المصريين
سيظل السيد طارق عامر، محافظ البنك المركزي مثيرا للجدل والسخط لدى المصريين بتصريحاته التي نتوجس منها دائما خيفة، التي لا يمكن أن تعبر عن مسئول أساسي في الدولة يحمل عبء الناحية الاقتصادية التي تشكل حياة المصريين، وتصبح كل كلمة يقولها مثار حديث وتحليل، وتؤثر على الأداء الاقتصادي للدولة، وثقة الشعب والمستثمرين بها..
لكن السيد طارق عامر يبدو أنه لا يدرك أهمية تصريحاته وتأثيرها على عموم المصريين، فتراه يصرح بما يعني له دون أدنى مراعاة لأحوال الدولة والشعب، وأحيانا تكون هذه التصريحات غير دقيقة وبعيدة عن العلم والفهم والتطبيق، مثل تصريحه الذي قال فيه: "إن التضخم ناتج عن الإنفاق وليس القرارات النقدية"، وطبعا هذا التصريح مضحك ولا يتمشى أبدا مع الواقع وعلم الاقتصاد، ولن نخوض في تحليل ذلك التصريح الآن.
ومن تصريحاته العجيبة: "إحنا بطلنا نطبع فلوس"، وتصريحه الخاص بسعر الدولار التي ذكر فيها أن الدولار سيصبح بـ4 جنيهات، وكلها تصريحات تحتاج انضباطا لما لها من تأثير على حياة المواطن والأداء الاقتصادي للدولة، ولا ينبغي أن تخرج من مسئول بموقع طارق عامر.
لكن كل هذه التصريحات في ناحية وتصريحاته الأخير في ناحية أخرى، عندما قال: "إن مؤشرات الاقتصاد تحسنت بسبب تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي"، لافتًا إلى أن جميع الدول أصبحت تتنافس بشدة وفق معطيات الظروف العالمية الصعبة، وأضاف – لا فض فوه -: "أقول للناس اللي بتقول (هنرتاح إمتى؟): الحياة كلها كفاح مستمر مفيش راحة! وسنة الحياة هي الشقاء طوال الوقت.
لا شك بعد هذا التصريح تأكد المواطن المصري البسيط أن السيد طارق عامر مؤجر "للعكننة" عليه، وتدمير أمنه النفسي، وتخريب كل حقول التفاؤل والأمل لديه، وزرع روح اليأس والإحباط في نفسه حتى يصل إلى مرحلة أنه لن يفيق أبدا من الشقاء حتى الموت.
وطبعا لم يسمع السيد طارق عامر عن حديث للرسول جاء فيه: "عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا)؛ متفق عليه.
فالرسول يدعو المسئولين إلى أن يبشروا الناس بالخير ولا يعسروا عليهم معيشتهم أو ينكدوا عليهم حياتهم، وأن يراعوا مصلحة الفقراء ولا يتخذوا قرارات تدمر حياتهم دون رعاية فعلية لهم، وأن يبشروهم بالخير بعد التعب والشقاء، وهو ما أراده الله عندما قال –سبحانه وتعالى- :﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185].
لكن السيد طارق عامر لا يريد "للشقيان" أن يشعر أن هناك وقتا لإنهاء معاناته، ولا يريد أن يبث الطمأنينة في نفوس المصريين، ويصر على أن عذابهم مستمر، وشقاءهم دائم، وعليهم التعب المقيم، رغم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا- قال:
"روحوا عن أنفسكم ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلت عميت"..
لكن أين هذا الهدي من تصريحات السيد طارق عامر الذي يتلذذ بتبشير المصريين بالشقاء الدائم المقيم، ويشعر بالسعادة عندما يفقدهم الأمل في غد أفضل، وهذا الأمر بالطبع سينعكس على حياة الناس خاصة الفقراء وطبقة الكادحين، فعندما لن يجدوا أن هناك راحة بعد إجراءات الإصلاح الاقتصادي الصارمة والتضييق عليهم في المعيشة، ورفع كل الأسعار والاكتواء بنارها، فستَهبط عزيمتهم نحو العمل الذي سيُمارسونه دون روح؛ مما سينعكس على الإنتاج..
كما أن هذه الفئة ستَنصرف عن تأييد الحكومة، وستُصغي لأعداء الدولة في إشاعتهم، وهؤلاء الأعداء لن يقولوا أكثر مما قاله السيد طارق عامر إنه لا أمل ولا راحة في المستقبل، وهذا عكس ما يصرح به الرئيس السيسي أن البلاد كادت أن تخرج من عنق الزجاجة بما سينعكس بإيجابية على مستوى الفرد.
فلم يطالب المصري البسيط بالكسل أو بحياة الفخامة، أو رفع المرتبات بمبالغ طائلة حتى يردعه السيد طارق عامر بتصريحه، لكن المواطن البسيط يطالب أن يكون المستقبل أقل عناءً؛ بمعنى أن يستطيع أن يعيش حياة أقرب من أن تكون كريمة، يستطيع فيها أن يشتري احتياجاته الأساسية فقط دون معاناة، ويستطيع أن يجد تعليما لابنه مثمرا ورخيصا دون دروس خصوصية، ويجد علاجا لأمراضه، ومعاملة لائقة من الأطباء دون الطرد والتعالي عليه..
يحلم لأن يجد سكنا آدميا يسكن فيه ويتمكن من دفع فاتورة الكهرباء والمياه والغاز دون إرهاق لميزانية الأسرة.. إلخ، وكلها أحلام بسيطة يأبى السيد طارق عامر عليه أن يحلم بها ذلك المواطن ويحطم فؤاده وتفاؤله بقوله: "مفيش راحة"..
فالسيد طارق عامر يعتبر أن الراحة ترف لا قيمة له، وأن الراحة ضد مصلحة المواطن، وأن الراحة من السلبيات التي ينبغي أن ينساها المواطن البسيط، رغم أن سيادته "ارتاح على الآخر" في السنوات الأخيرة بعيدا عن "عكننة" الشعب البسيط الذي يطالبه هو الآن بعدم الراحة، ويُبشره باِنعدامها مستقبلا، فإذا كانت الراحة شيئا سلبيا وضد مصلحة المواطن، فنحن -من منطلق حبنا للسيد طارق عامر وحرصا على سعادته - ندعو الله له ألا يريحه في الدنيا ولا آخرة؛ لتكتمل سعادته في الحال والاستقبال.
