الأوامر المنسية من القرآن (١٨)
وتستمر رحلة المرور على أوامر الله عز وجل الواردة بالقرآن الكريم التي تراجع العمل بها عند الكثيرين لحساب آيات الشعائر والعبادات مثل "وأقيموا الصلاة"، أو "فمن شهد منكم الشهر فليصمه"، التي رغم أهميتها فإن آيات المعاملات التي نتحدث عنها تحمل أوامر صريحة أنزلها رب العالمين لتُنظم شئون الناس والعلاقات فيما بينهم في المجتمع..
اليوم نتوقف عند قوله سبحانه وتعالى "وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا"، ويحق لنا لمزيد من الحديث والإيضاح أن نقسم الآية نصفين على أن نتحدث اليوم عن قوله "وآت ذا القربى حقه"، على أن نستكمل باقي الأمر في مقال آخر..
حيث يمكن ظاهريا أن يفسر البعض الآية باعتبارها جزءًا من وصايا إعطاء أنصبة المواريث لأهلها.. إلا أن بقية الآية يوضحها بالحديث عن المساكين وأبناء السبيل إذ نتأكد أن أمر الله هنا يتعلق بواجبات أساسية علينا القيام بها مع الأهل والأقارب ويبلغ جمال النص أقصى حدوده باعتبار الله لها أنها حقوق للأقارب عندنا.. وجب منحهم إياه.
رغم أن الأمر والتعليمات هنا تتجه إلى كل ما له علاقة بصلة الأرحام.. وبما يستتبع زيارتهم والاطمئنان عليهم.. والوجود والتضامن معهم في الملمات أو تهنئتهم في المناسبات السارة والسعيدة وطبعا زيارتهم عند المرض والوعكات الصحية إذ إنها محل توصية إلهية للأغراب وبالتالي فهي أولى للأقارب..
وقد تمتد فكرة "القربى" وتستطيل حتى تطول الجيران كما جاء في آية أخرى "والجار ذي القربى"، ليكون الأمر برعاية الجار من الأقارب حتى لو كانت صلة قرابته بعيدة.. إذ إن القرب المكاني يفرض له حقوقا أيضا.. وهنا لا يصح أن يترك القادر القريب المحتاج عند العوز وأن يتركه بلا علاج عند المرض أو في حاجة إلى كساء عند الشتاء أو بتركه غير قادر على مصروفات أبنائه المدرسية بل بات الأمر واجبا طالما كان باستطاعته وبوسعه وربما يكون إثما أن علم بمعاناتهم دون أن يتدخل لمساعدتهم ورفع المعاناة عنهم.
وهكذا.. تبدو الأوامر القرآنية دستورا متكاملا أن التزمنا به لبلغنا مجتمع الفضيلة المنشود. والغائب على السواء!