ألف جنيه من السادات لكل إخوانجي!
أفرجت المخابرات المركزية الأمريكية أمس الأربعاء عن وثيقة سرية محظورة، حول تنظيم الإخوان المسلمين في مصر، ويعود عمر الوثيقة إلى عام ١٩٨٦، وهو عام حرج في فترة حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فقد شهد لأول مرة حالة تمرد قوات الأمن المركزي واجتياح شارع الهرم وتحطيم الممتلكات العامة والخاصة وإحراق مطاعم وكازينوهات وسيارات عامة وسيارات مواطنين، وأمر مبارك الجيش وقته بالنزول لإخماد الفتنة.
وكان نزول الجيش وقتها بروفة أداء راقية، لم ينسها المواطنون، وهو ما تكرر بعد ذلك في أوقات حظر التجوال وقت مؤامرة ٢٥ يناير ووقت ثورة ٣٠ يونيو.
اهتمت السفارة الأمريكية منذ ذلك الحين بمتابعة الجماعة الإخوانية وكيف أنشئت ومن يمولها، وما موقفها من إسرائيل ومن كامب ديفيد، ومن الثقافة الغربية بصفة عامة، ولفت نظري أثناء القراءة المتأملة للبند الخاص بتمويل الجماعة أن بداية التمويل كانت بمبلغ التعويض الذي قرره الرئيس الراحل أنور السادات وقدره ألف جنيه عن كل سنة سجن في عهد عبد الناصر!
جمع الإخوان المفرج عنهم هذه الألوف، وكونوا منها مالا ضخما، وأقاموا مشروعات تدر عليهم عوائدَ يسددون منها نسبة مقطوعة قدرها عشرة في المائة من الأرباح تحول لحساب تمويل الجماعة! وصار ذلك تقليدا متبعا حتى الآن في مشروعات استثمارية بالداخل وبالخارج.
وهكذا رأينا محال الألبان والأجبان والزبادي ومدارس التحفيظ، ومشروعات الهلال والشريف والتوحيد والنور وغيرها، بل رأت الوثيقة أن شركة مقاولات حكومية كبرى (ذكرت الوثيقة اسم الشركة ورئيس مجلس إدارتها في ذلك الوقت) كان عدد الإخوان فيها طاغيًا!
وأشارت الوثيقة الأمريكية إلى تغلغل الإخوان في العملية التعليمية، وفي الإدارات الحكومية وفي العيادات والمستوصفات والزوايا والمساجد.
وكما قلت في السابق، وهذا رأيي، إن عصر الرئيس مبارك هو العصر الذهبى للإخوان، ففيه انتشروا وتاجروا وتمكنوا من الاقتصاد، ودخلوا العقول بالمدارس الخاصة، ظاهرها مدني وباطنها ديني متطرف، ونحسب أن أهم ما ورد بالوثيقة كان التنبه المبكر جدا للدور التنظيمي والتحريضي الذي قام ويقوم به الشيخ يوسف القرضاوي، وهو ما ظهر جليا بعد ذلك وقت تأجج الأحداث في مصر والسيطرة على ميدان التحرير، واعتلاء منبر الأزهر الشريف.
ونبهت الوثيقة إلى استمرار خطورة هذا الشيخ الضال المضلل واعتبرته المرشد الحقيقي للإخوان المسلمين، وعقلها المدبر وواضع الخطط، والخطوات، والذي يحدد الأساليب، وأدوار الأشخاص.. والحق أن هذا كله وقع، فهو يفتي بشرعية الخروج على الحاكم وقتله، والتمويل من قطر "راعية الجماعة بتحالف شاذ مع طهران وأنقرة".
واليوم، وحين نعود بالذاكرة إلى اغتيال السادات، يشعر المرء بالحزن والحيرة لأن الرجل الذي حررهم من سجون عبد الناصر وأطلق يدهم ومجلاتهم ومنابرهم على دراويش الناصرية، وذلك خطأ تاريخي لا يغتفر للسادات؛ لأنه الرجل الذي أمدهم بألف جنيه عن كل سنة سجن، وانظر قيمتها الشرائية في ذلك الوقت، وكم عددهم وكم عدد السنين، هم من قتلوه بأفكار إلاههم الأحمق المسموم سيد قطب!
ومن العجيب أن عبد الناصر كان يحب سيد قطب، وكان مرشده بعد الثورة، وهو من أقنع ناصر بأن حركة الجيش في ٢٣ يوليو ١٩٥٢ ثورة بكل المقاييس!
قتلوا السادات، وحاولوا اغتيال ناصر، وكمنوا لمبارك ثلاثين عاما، حتى تمكنوا، وأخرجوه بالدهماء والغوغاء والتآمر، مع وش ثقافي من نخبة مخدرة بالأوهام، ولا تزال أفكارهم رصاصات جبانة وعبوات ناسفة في صدور أبنائنا وتحت مدرعاتنا في العريش.
ترى ماذا لدى السفارة الأمريكية من وثائق أخرى؟
وماذا لديها عن الخامس والعشرين من شهر يناير والثلاثين من شهر يونيو؟
وترى لماذا الآن.. اختارت الإفراج عن التنظيم وهو في طور الجنين والدعم والنمو والتوحش؟
كان الكونجرس ناقش في جلسة ممتدة قبل شهرين مبررات حظر الجماعة الإخوانية.
لا يزال الملف مفتوحا.
بصفة عامة يؤخذ كل ما يأتي من واشنطن بحذر.