تونس.. حقوق المرأة والمثليين تثير الجدل حول مرجعية الدولة
جدل كبير أثارته مقترحات لجنة الحريات الفردية والمساواة. وشهدت البلاد تظاهرتين إحداهما مؤيدة وأخرى رافضة لها.. الجدل ينصب حول مرجعية الدولة في إصدار قوانين بشأن المثلية والميراث، إذ يرى البعض أنها تتعارض مع قيم الإسلام.
تغييرات اجتماعية كبيرة تستعد تونس لاستقبالها خلال الأيام القليلة المقبلة، فبالتزامن مع الاحتفالات بالعيد الوطني للمرأة أعلن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي عن دعمه لمشروع قانون غير مسبوق في العالم العربي يضمن المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، بجانب حزمة أخرى من القوانين، ما أثار جدلًا كبيرًا في البلاد.
ولم تمض ساعات على إعلان السبسي اعتزامه إحالة مشروع القانون إلى البرلمان حتى احتشد في وسط العاصمة مئات المتظاهرين للتعبير عن دعمهم لهذه الخطوة.. كما شارك في الوقفة جماعات تدافع عن الأقليات الجنسية.
تطور لن يقف أمامه أحد
يدفع معارضو التعديلات القانونية الجديدة بأن طرح مثل هذه القضايا الخلافية هي وسيلة للتمويه من جانب الرئاسة وحزب نداء تونس والنخبة السياسية برمتها على القضايا الرئيسية التي تواجهها تونس.. ويرى هؤلاء أن الثورة اندلعت في بلادهم من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر والتهميش والبطالة وأن ما يحدث هو ضرب للهوية التونسية ولقيم الإسلام ويتجاوز احتياجات الناس اليومية.
بشرى بلحاج حميدة رئيسة "لجنة الحريات الفردية والمساواة"، وهي الهيئة التي وضعت سلسلة الاقتراحات، قالت إنه لا يوجد بعد ما يدل على رفض التونسيين لهذه المقترحات.. وأضافت في مقابلة لها مع DW عربية أن "هناك فقط بعض الأصوات التي خرجت وأعلنت رفضها من خلال استغلال المساجد بطريقة غير قانونية وغير أخلاقية وتتعارض مع دور المسجد".
وتضيف حميدة بأن أي تغيير أو تطور يلقى معارضة في بدايته لكن عجلة التاريخ لا تتوقف، وتقول: "من يرفض المساواة فهذا حقه لكن لا يمكنه أبدًا أن يحرم من يريد الحصول على هذا الحق".
أما الكاتب الصحفي التونسي الجمعي القاسمي فيرى أن ما ورد في حزمة الإصلاحات التي تضمنها تقرير اللجنة "المثير للجدل" يعد خطوة نوعية إلى الأمام نحو ترسيخ المجتمع المدني في سياق مدنية الدولة بمفهومها الحداثي.
وقال خلال مقابلة له مع DW عربية إن هناك جملة من القضايا ما زالت تعتبر مسائل ذات طابع أو ارتباط ديني تقابل من شريحة هامة في المجتمع التونسي بنوع من التحفظ الشديد وأن هذا ما عبرت عنه المظاهرة التي تمت أمام مجلس النواب، لكن على الجانب الآخر "فالمجتمع التونسي تطور بشكل لافت وبات يتقبل مثل هذه القوانين رغم أن موجة المد الديني التي ضربت المنطقة العربية والإسلامية خلال السنوات الماضية كان لها صدى في تونس أيضًا وبالتالي هناك من يريد العودة للوراء والتمسك برفض الاجتهاد في بعض القضايا".
مغزى التوقيت
تعاني تونس من الكثير من المشكلات أغلبها ناتج عن الأزمة الاقتصادية كالبطالة والهجرة غير الشرعية إلى جانب انضمام عدد من الشباب التونسي للتنظيمات المتطرفة.
فيصل ناصر، نائب رئيس دائرة الاتصال بحزب حركة النهضة، يرى أن توقيت طرح مثل هذه المقترحات "أمر له دلالة". ويضيف: "بالفعل الحريات ليس لها وقت محدد لتمنح للناس أو أن يتم النقاش بشأنها لكن هناك أولويات وطرح قضايا ليست ذات أولوية وقتية كقضية الميراث هو أمر مستغرب وأرى أنه ليس ببعيد عن هواجس بعض الأطراف من نتائج انتخابات 2019 لذا هم يحرصون على تسجيل نقاط سياسية والعمل على كسب ثقة بعض فئات المجتمع قبل هذه الاستحقاقات ما أخل بالتوازن داخل المجتمع وأضر بمصداقية أعمال هذه اللجنة وأعضاءها".
لكن بشرى بلحاج حميدة رئيسة "لجنة الحريات الفردية والمساواة" تختلف مع هذا الطرح وتقول إن هذه الكلمات مكررة وتظهر دائمًا كلما جاء الحديث عن أمر يتعلق بحق من حقوق الإنسان والتي هي كلها وحدة واحدة لا يوجد توقيت محدد لمنحها للناس. وأشارت بلحاج إلى أن هناك تونسيات في الريف حُرِمن من الميراث ويعملن بمقابل زهيد في الحقول فيما الذكور في عائلتهن يتمتعون بالأموال بخلاف أن كثيرات من النساء اليوم في تونس أصبحن يشاركن في نفقات المنزل جنبًا إلى جنب مع الزوج.
الكاتب والصحفي الجمعي القاسمي تحدث أيضًا عن التوقيت وقال لــ DW عربية إن التقرير بما تضمنه من مقترحات تحول إلى ما يشبه الوقود لمعركة انتخابية سابقة لأوانها استعدادًا لاستحقاق 2019 وأن كل طرف يحاول استغلال وتوظيف هذا التقرير وهو يعمل الآن على تحفيز مخزونه الانتخابي وتحريكه استعدادًا للمعركة القادمة".
صراع هوية؟
يرى البعض أن تونس تتصارعها هويتان: إحداهما عربية إسلامية والأخرى أوروبية بكل ما تحمله الهويتان من أفكار ورؤى. الرئيس التونسي قال إن تونس مرجعيتها الدستور وليس الدين واختتم خطابه بآيات من القرآن وهو ما رأى البعض فيه دلالة:
بيد أن بشرى بلحاج حميدة، رئيسة "لجنة الحريات الفردية والمساواة" قالت لــ DW عربية إن موضوع الهوية التونسية قد حسمه الدستور "فهي دولة مدنية وشعب مسلم ومقاصد الإسلام السمحة مرتبطة بالقيم الإنسانية وحقوق الإنسان". وتضيف حميدة أن التونسيين وعلى مدى قرون "لم تكن قيمهم كجزء من العالمين العربي والإسلامي تتعارض أبدًا مع احترام الحقوق الإنسانية وإذا ما كان هناك من يرى أن الهوية العربية والإسلامية هي هوية تفترض عدم احترام حقوق الإنسان فلدينا معه خلاف جوهري".
أما فيصل ناصر، نائب رئيس دائرة الاتصال بحزب حركة النهضة فقال إن الحزب ليس له موقف أيديولوجي من ما ورد في تقرير اللجنة "لكننا أبدينا موقفًا متحفظًا من بعض النقاط خاصة المسائل الدستورية كالمساواة في الميراث أو الموقف من المرجعية الفكرية للتشريع التونسي وغيرها من الأمور".
وأشار القيادي في حركة النهضة إلى أن تركيبة اللجنة، التي صدر عنها التقرير، لم تكن متوازنة وقال "إن أغلب أعضائها ينتمون إلى عائلة فكرية واحدة، وهو الاتجاه اليساري ما أثر سلبًا على نتائج أعمال هذه اللجنة". واختتم حديثه بالقول إنه و"بعد نجاح الحوار الوطني الذي أفضى إلى المعادلة السياسية التي تدير البلاد فإن الصراع تجاوز مسألة الهوية التونسية".
ويعرب الكاتب والصحفي الجمعي القاسمي عن اعتقاده بأن موافقة حزب النهضة على منح المثليين حقوقهم وفي نفس الوقت رفض موضوع المساواة في المواريث باعتباره يتعارض مع نص قرآني صريح هو أمر متوقع.
ويرى أن حركة النهضة تتعاطي مع الأمور من زاوية سياسية وبراغماتية بحتة خاصة فيما يتعلق بالقضايا التي لها صدى في المجتمع الغربي: "فالحركة مازالت تخشى أن تصنف على أنها تنظيم تابع لجماعة الإخوان المسلمين لذا تشوب البراغماتية تعاملها مع بعض القضايا ذات الطابع الاجتماعي".
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل