مناقصات «الأمر المباشر» في 57357.. أسامة داود يواصل انفراداته: إسقاط اللوائح والقوانين طريق لتبديد أموال التبرعات والحكومة آخر من تعلم.. وترسية عشرات العمليات في التوريدات والمقاولات بالأمر
لا يزال ملف الإدارة غير الرشيدة لمستشفى 57357 مُتخمًا بالمفاجآت الصادمة، في الوقت الذي تصر فيه وزارة التضامن الاجتماعى على المماطلة والتسويف والتأجيل لتقريرها بشأن التبرعات المليارية التي يتلقاها المستشفى منذ إنشائه، وظهرت الحكومة في موقف العاجز البائس، ولم تستطع أن تحرك ساكنا، وعندما أراد مجلس النواب أن يدخل على خط الأزمة، لم يجد من أطراف الأزمة إلا التجاهل والتعالى من جانب مدير المستشفى الدكتور شريف أبو النجا، كما تشارك في عملية الصمت المريب أطراف أخرى تعمل ضمن الفريق الإعلامي للمستشفى ولا يشغلها سوى انتظام التبرعات حتى تضمن انتظام حصصها الشهرية دون انقطاع أو انتقاص، فلا تخجل في سبيل ذلك أن تلقى بنفاياتها اللفظية على كل من ينتقدها.
وخلال الأعداد السابقة.. حرصت "فيتو" على التأكيد دومًا على نُبل أهدافها من وراء حملتها الصحفية التي صادفت ترحيبًا من جموع الرأى العام، فيما لا تزال إدارة المستشفى تحاول جر المعركة إلى أرض أخرى وتنويعات مختلفة لا علاقة له بما كشفته وتكشفه الحملة من ممارسات مثيرة للجدل والغضب والكثير من علامات الاستفهام التي تحتاج إلى أجوبة واضحة وصريحة، بعيدًا عن "اللف والدوران وشغل الـ 3 ورقات" وملاسنات الميليشيات الإلكترونية المأجورة التي يتقاضى أفرادها مرتباتهم من أموال التبرعات.. وفى هذا العدد نلقى الضوء على كواليس عمليات المقاولات والمناقصات وسبل إدارتها المخالفة للقانون والعرف.
قص ولزق
إحدي عمليات المقاولات التي تتجاوز الـ 500 مليون جنيه، ما إن غصنا في تفاصيلها، حتى اكتشفنا ألاعيب من القص واللزق لتحقيق الغرض، وهو تمكين شركة معينة من عملية محددة دون التقيد بالقوانين أو اللوائح.
في إجراءات يمكن وصفها بأنها "غير قانونية".. تم فتح المظاريف المالية قبل الفنية، وتم إقصاء الشركة المنافسة الوحيدة بعرضها الذي يقل 90 مليون جنيه وبنسبة تقترب من 20% لصالح الشركة المعنية التي يصعب الوقوف أمامها، لتتحول إلى مناقصة العرض الوحيد.. وبين تقارير مؤيدة تم تفصيلها، ولجنة تنفيذية تقرُّ، ومجلس أمناء "يبصم"، وصلت العملية إلى شركة الانشاءات العربية ACC بمبلغ 540 مليون جنيه ثم قفزت بعد 14 شهرا إلى 600 مليون جنيه! لتصبح الزيادة 25% عن الشركة الأخرى، لتتساقط القواعد واللوائح بل والقوانين أيضًا.
القصة وما فيها
البداية كانت في 14 ديسمبر 2015، عندما تم طرح مناقصة محدودة للمرحلة الأولى من مشروع توسعة 57357، وتضمنت إنشاء أساسات وخرسانات لمبنى العيادة الخارجية والمبنى الذكي في إطار التوسعات التي تقوم بها الإدارة، ولا تشمل سريرا واحدا إضافيا كما ذكرنا سابقًا، والمناقصة المحدودة هي الوسيلة الوحيدة مع الأمر المباشر التي تصر إدارة المستشفى على السير فيها حتى ولو كانت تلك الأعمال تصل إلى مئات الملايين من الجنيهات مثل تلك العملية.من خلال لجنة البت والتي تضم 7 عناصر من الذين تتردد أسماؤهم في كل العمليات وباعتبارهم مجلس العائلة التي تحكم 57357 على مدى سنوات طويلة، تم بيع 4 كراسات للمقاولين التي حددتهم مؤسسة 57357 في نفس التاريخ، وفي 9 فبراير 2016 تلقت اللجنة المظاريف الفنية والمالية من 3 شركات مقاولات وهي: الإنشاءات العربية ACC والشركة الصينية للإنشاءات وشركة مصرية ثالثة.
المهم.. أنها تلقت العروض الفنية والمالية من الشركات الثلاث فقامت بفتح المظاريف الفنية حسب قولها في نفس اليوم 9 مايو أما بالنسبة للعروض المالية فقد أكد نفس تقرير نفس اللجنة أنه تم فتحها في اليوم السابق له وهو 8 مايو 2016، ولم تعلق لجنة البت التي ضمن - كما ذكرنا آنفا- 7 عناصر تنبثق منهم كل اللجان الفنية والمالية وغيرها على تلك المخالفة الجوهرية لقانون المناقصات رقم 89 لسنة 1998 وتعديلاته رقم 5 لسنة 2005 والذي يتضمن في المادة 10 منه: أن تُقدم العطاءات في مظروفين مغلقين، أحدهما للعرض الفني والآخر للعرض المالي، ويقتصر فتح مظاريف العروض المالية على العروض المقبولة فنيا، وذلك وفقا للقواعد والإجراءات التي تتبناها اللائحة التنفيذية، أي أنه لا بد من فتح مظروف العروض الفنية أولا وهو ما لم يحدث، وتم استبعاد الشركة الصينية رغم أنها كانت صاحبة العرض الأفضل في المناقصة المذكورة.. وهنا يكون ما حدث من فض المظاريف المالية قبل 24 ساعة من المظاريف الفنية خطوة من خطوات استباحة دماء القوانين واللوائح وكل المعايير والقواعد.
مبررات لجنة استلام وفتح المظاريف استندت على استبعاد عرض الشركة المصرية بعد تخفيضه إلى 595 مليون جنيه باعتبار أنه الأعلي سعرا وبسبب اشتراطها تحمل المالك فروق التحركات السعرية، وبالنسبة لعرض شركة الإنشاءات العربية ACC والذي كان مصحوبا باشتراطات وبمبلغ 540 مليون جنيه فقد تم قبول العرض، وبررت اللجنة قبولها لعرض يزيد على الذي يليه بأكثر من 90 مليون جنيه أن الشركة استبعدت الشروط وقررت تثبيت السعر عند المبلغ المتفق عليه وهو 540 مليون جنيه حتى في حالة تحرك الأسعار وتغير سعر صرف الدولار مقابل الجنيه وغير ذلك.. وتضمنت التبريرات التي ترددها اللجنة وكأنها أشعار من الغزل في خفة وجمال شركة الإنشاءات العربية ليصبح فوزها بالعملية وبزيادة عن أقرب عرض بنحو 90 مليون جنيه أمرا واقعا وحقيقة يتم فرضها ولو بالقوة الجبرية، حتى إن من التبريرات التي استعرضتها قيادات إدارة 57357 أن الشركة لديها مقترحات فنية أثناء العمل يُرجح أن تؤدي إلى تخفيض تكلفة الأعمال مع المحافظة على المواصفات.. هذا ما ورد نصا في محضر لجنة البت الخاصة بالمناقصة المحدودة في 5 مايو 2016.
إلى هنا يكون خروج الشركة الصينية رغم أن عرضها أقل من عرض شركة الإنشاءات العربية بأكثر من 90 مليون جنيه لسبب واحد وهو تمسكها باشتراطات التعويض في حالة تحريك أسعار الدولار وما يترتب عليه. كما أن قبول عرض شركة الإنشاءات العربية ACC رغم زيادته عن الصينية بمبلغ 90 مليون جنيه هو لأنها قررت تثبيت السعر في ظل أسوأ الظروف وارتفاع أسعار صرف الدولار مقابل الجنيه وما يترتب عليه.
اقرأ أيضا: حملة «فيتو» عن مستشفى 57357 حديث الفضائيات
تقارير تقر الباطلقبول شركة الإنشاءات العربية ACC جاء مدعوما أيضا بتقرير تم إعداده من شركة (SOLVING EFESO) وهي الشركة التي يملكها الدكتور هشام دنانة الذي يعمل مستشارًا للمشروعات بمؤسسة ومستشفى 57357، وفي نفس الوقت هي الشركة التي سبق وحصلت على عقد الأعمال الإنشائية والتصميمات للمشروعات في 57357 وبالأمر المباشر وبمبلغ 3 ملايين دولار تقريبا، وهو ما أثار وقتها أزمة بسبب رفض الأمين العام لجمعية أصدقاء المعهد القومي للأورام الدكتور أشرف سعد زغلول وكان رفضه سببا في الانقلاب على الجمعية وتغيير اسمها إلى "أصدقاء المبادرة" واستبعاد الأمين العام لها ثم إسناد مهمة الأمين العام للدكتور شريف أبو النجا نفسه!
المهم أن تقرير الدكتور هشام دنانة دعم اختيار شركة الإنشاءات العربية بجانب ما أعلنته بالتزامها ليس بتثبيت السعر المتفق عليه فقط بل أيضا بالنزول به من خلال اتباع إجراءات فنية، ترتب على ذلك أن لجنة البت في 57357 انعقدت قبل 3 أيام فقط من انتهاء صلاحية عروض المناقصة وتحديدا في 5 مايو 2016 لتصدر توصياتها إلى اللجنة التنفيذية التي هي جزء من لجنة البت وتطالبها بقبول عرض شركة الإنشاءات العربية ACC بمبلغ 540 مليون جنيه.
مؤكدة أن العروض المقدمة من الشركات تنتهي صلاحيتها في 8 مايو 2016 مما يستوجب سرعة اتخاذ قرار الإسناد، وهو ما يعني تكاتف الجميع على هدف واحد وهو: أن يتم الإسناد لشركة الإنشاءات العربية حتى إن اختيار تاريخ انعقاد قرار لجنة البت كان بعد 3 أشهر بالتمام والكمال من الانتهاء من فض المظاريف وإعلان النتائج، وقبل 72 ساعة فقط من انتهاء صلاحية العروض والتي كان محددا لها 8 مايو 2016.
في 28 يونيو 2016.. وافق مجلس الأمناء على تقرير لجنة البت وعلى قرارها بالإسناد لشركة ACC للقيام بالإنشاءات الخاصة بالمرحلة الأولى وهي توسعة وتطوير 57357 بمبلغ 540 مليون جنيه.
ACC تحصل على 60 مليون جنيه
فجاة ودون مقدمات أو علم أحد اعتمدت اللجنة التنفيذية لمؤسسة ومستشفى 57357 مبالغ إضافية لشركة ACC بلغت 60 مليون جنيه كتعويض عن ارتفاع أسعار الدولار والمحروقات، علمًا بأن قبول عرض هذه الشركة كان مشروطا - كما قلنا وبالأوراق والمستندات- بتثبيت السعر بل والعمل على تخفيضه، وقد نص تقرير لجنة البت على ذلك وبالتالي تم قبول عرض هذه الشركة علما بزيادته عن عرض الشركة الصينية بأكثر من 90 مليون جنيه بزيادة تقارب 20%، والسبب كما ذكرت لجنة البت وكل قيادات 57357 أنها مقابل تثبيت السعر!
من جانبه برر محمود التهامي الأمين العام للمؤسسة والمدير التنفيذي لها ونسيب الدكتور أبو النجا أن زيادة التعاقد إلى مبلغ 600 مليون جنيه بعد إضافة 60 مليونا كتعويض كان نتيجة لتحرك أسعار الدولار وبالتالي الوقود، متجاهلا أن قبول عرض شركة الإنشاءات العربية ACC وبأكثر من 90 مليون جنيه عن العرض الآخر أنه مقابل تثبيت الأسعار وعدم المطالبة بأي تعويضات في حالة تغير سعر صرف الدولار أو ارتفاع في الأسعار.
وهنا تأتي التساؤلات:
لماذا تم زيادة عرض شركة ACC بمبلغ 60 مليون جنيه رغم أنها أقرت بالتزامها بتثبيت الأسعار؟ لماذا تم رفض عرض الشركة الصينية والمقبول فنيا وكانت قيمته 455 مليون جنيه أي أقل من عرض شركة الإنشاءات العربية بأكثر من 90 مليون جنيه؟ لماذا إصرار إدارة 57357 على عدم طرح عمليات الإنشاءات وكذا التوريدات التي تتجاوز قيمتها مئات الملايين من الجنيهات وعشرات الملايين من الدولارات عبر المناقصات العامة للحصول على أفضل عروض فنية ومالية؟ ولماذا تفضل دائما الاعتماد فقط على الأمر المباشر أو المناقصات المحدودة التي تتحول بألاعيب الإدارة إلى عرض وحيد يتم قبوله رغم ما يكبده للمؤسسة من نفقات إضافية تصل إلى مئات الملايين من الجنيهات؟ لماذا أصرت إدارة 57357 على مخالفة المادة 10 من قانون المناقصات وسمحت بفتح المظروف المالي قبل المظروف الفني في عملية قيمتها تتجاوز النصف مليار جنيه؟
نسأل أيضا هل من المنطقي الاعتماد على تقرير من شركة (SOLVING EFESO) التي حصلت على أعمال بالأمر المباشر وبالمخالفة للقانون بقيمة 3 ملايين دولار، وفي نفس الوقت يعمل صاحبها هشام دنانة مستشارا للمشروعات بـ57357؟ هل من المنطقي إعداد إدارة المشروعات التي يرأسها المهندس عادل يوسف مذكرة يعترف فيها بأحقية شركة ACC بالزيادة نتيجة تعويم الجنيه وتحرير سعر الصرف، متجاهلا أن قبول عرض ACC بزيادة 90 مليون جنيه عن العرض الآخر هو مقابل التزامها بتثبيت السعر حال تعويم الجنيه وتغير الأسعار؟
مع العلم أن المهندس عادل يوسف هو أحد أعضاء لجنة البت وعضو لجنة فض المظاريف، وهو المكلف مع (SOLVING EFESO) بإعداد التقرير الذي كان مبررا لترسية المناقصة المحدودة على شركة ACC.
والسؤال الأكثر أهمية الآن.. أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ؟.. لكن كيف يكون ذلك وإدارة 57357 تتعامل بالمخالفة للحكمة القائلة: "إذا بليتم فاستتروا"؟!
"نقلا عن العدد الورقي"..