رئيس التحرير
عصام كامل

دهس الليرة التركية بأقدام السياسات الخاطئة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

قد يتصور البعض لأول وهلة أن انهيار الليرة التركية جاء بسبب المضايقات الأمريكية إلا أن العامل الأساسى للانهيار هو سوء إدارة الاقتصاد تحت حكم رجب طيب أردوغان والذي لم ينفك في حشر أنفه في التدخل في السياسة النقدية وعمل البنك المركزي التركى.


تدخلات أردوغان

ففى نوفمبر ٢٠١٧ انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، البنك المركزي، قائلا: إن غياب التدخل الحكومي في السياسة النقدية يثقل كأهل تركيا بتضخم مرتفع، وقد يفضي إلى تباطؤ في الاستثمار.
ونالت تصريحات أردوغان -وهي من أعنفها حتى الآن بشأن ضرورة التدخل الحكومي في السياسة النقدية- من الليرة التركية على الفور.

إدارة ضعيفة

مايحدث في تركيا حاليا هو نتاج لعمل إداري ضعيف بالمنظومة الاقتصادية ( متراكم) وهناك محللين اقتصادين في تركيا حذرو من تعاظم الديون واعادة تدويرها منذ عام ٢٠١٣.

وهنا يرى موقع (Geopolitical Futures)، وهي منصة تحليلية يديرها الخبير الأمريكي جورج فريدمان، أن رصيد الديون الخارجية التركية أصبح من بين أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد التركي، وذلك نظرًا إلى أن الودائع بالعملات الأجنبية أقل نسبيًا لتغطية قيمة الديون.

وازداد إجمالي الدين الخارجي التركي (العام والخاص) تدريجيا على مدى السنوات الخمس الماضية، ليصل إلى 52 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول الربع الثاني من عام 2017، وهو رقم مرتفع نسبيًا بالنسبة إلى البلدان النامية. لكن على رغم تزايد مستويات الدين الخارجي، تراكمت لدى تركيا احتياطيات كبيرة من العملات الأجنبية. وهذه الاحتياطيات، إلى حد ما، وليس في شكل كلي، تخفف من خطر تراكم الدين الخارجي.

المخزون الإستراتيجي

وأوضحت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، أن السيولة في القطاع الأجنبي لا تزال كافية لتغطية الديون المستحقة على الأجل القصير. إلا أنه مع انخفاض قيمة الليرة، لن يكون أمام تركيا سوى احتياطيات أجنبية محدودة للعمل كمخزن موقت قبل أن تضطر إلى سداد ديونها الخارجية بالليرة. وهذا قد يتسبب في عرقلة النمو الاقتصادي.

هبوط الليرة

هبطت الليرة التركية إلى مستوى قياسي جديد عند 7.24 ليرة للدولار في التعاملات المبكرة في آسيا والمحيط الهادي.

ووصلت الليرة إلى هذا المستوى بفعل استمرار الضغوط على العملة، بسبب مخاوف المستثمرين المتعلقة بحالة الاقتصاد وتدهور العلاقات مع الولايات المتحدة"، حسب رويترز.

وبلغت الليرة 7.06 للدولار بعدما لامست 7.24 ليرة للدولار في وقت سابق.
وفقدت العملة التركية نحو 40 بالمائة من قيمتها منذ بداية العام.

وهوت الليرة التركية إلى مستوى قياسي مقابل الدولار، بعد أن قالت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنها تراجع الإعفاءات المقدمة لتركيا من الرسوم الجمركية، وهي خطوة قد تضر بواردات من تركيا تصل قيمتها إلى 1.66 مليار دولار.

مسرحيه انهيار الليرة التركية

الكاتب والمحلل يوسف الشريف تناول قضية انهيار العملة التركية عبر العين الإخبارية من زاوية بالغة الدقة حيث أشار في مقالة إلى نحن أمام مسرحية كبيرة، عنوانها استخدام الأزمة السياسية بين تركيا وأمريكا من أجل التغطية على أسباب انهيار الليرة التركية الحقيقي، وعلى العكس مما يتم الترويج له من أن تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقراراته بشأن تركيا، هي السبب الرئيسي لهذا الانهيار التاريخي لليرة التركية، إلا أن الحقيقة هي أن ما يحدث لليرة التركية سببه سوء إدارة الاقتصاد التركي، وكان سيحدث آجلًا أو عاجلًا، وسواء انفجرت أزمة القس الأمريكي أندرو برونسون المسجون في تركيا أو لا.

قرارات ترامب

وأضاف الشريف ولشرح هذا القول نبدأ بقرارات الرئيس دونالد ترامب وآثارها على الاقتصاد التركي، بداية أقرت إدارة ترامب تجميد أصول وممتلكات وزيري العدل والداخلية التركيين، بحجة انتهاكهما حقوق الإنسان والإصرار على حبس القس الأمريكي دون دليل دامغ، وهذا القرار لا أثر له على الاقتصاد التركي؛ لأن الوزيرين لا ممتلكات لهما ولا حسابات مالية في أمريكا، فالقرار كان مهما في رمزيته بأن ترامب مستعد لأن يضحي بالعلاقات القوية والوثيقة مع أنقرة في سبيل الإفراج عن ذلك القس، ثم جاء حديث واشنطن عن مراجعة اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا، والذي تلاها قرار آخر بفرض رسوم جمركية على صادرات الصلب التركية إلى أمريكا.

حجم التبادل التجاري بين البلدين

ولفت أيضا إلى أنه يجب أن نشير إلى أن حجم التجارة بين البلدين 20 مليار، حيث صدرت تركيا إلى أمريكا نحو 9 مليارات دولار عام 2017، شكل الصلب مليارًا واحدًا فقط منها، ووفق تصريحات سابقة لمصدري الصلب الأتراك، تعليقا على فرض واشنطن جمارك على وارداتها من الصلب من أوروبا والصين واحتمال أن يشمل القرار مستقبلًا تركيا أيضا، فإن هؤلاء المصدرين قللوا من آثار هذا الأمر؛ لأن أسعار الصلب التركي أقل بكثير من منافسيه في الصين وأوروبا، وعليه فإن فرض جمارك على الصلب التركي الوارد إلى أمريكا، سيساويها في المعاملة مع واردات الصين وأوروبا، ومع بقاء سعر الصلب التركي أرخص فإن قرار ترامب الأخير لن يؤثر بشكل جدي على صادرات تركيا إلى أمريكا، وحتى لو أثر بانخفاض هذه الصادرات جزئيا فلدى تركيا أسواق أخرى تستطيع أن تعوض من خلالها.

تحذيرات مسبقة

واستطرد هذا فيما يتعلق بقرارات أمريكا السياسية، لكن فيما يتعلق بتركيا، وهو الأهم، فإن المحللين الاقتصاديين كانوا قد حذروا منذ مطلع هذا العام من اقتراب أزمة سيولة مالية ستواجه تركيا خريف هذا العام، وبناء على هذه التقارير لجأ الرئيس أردوغان إلى تقريب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية من نوفمبر 2019 إلى يونيو الماضي، لتجنب اللجوء إلى الانتخابات تحت وطأة أزمة اقتصادية. حدث ذلك دون أي تأثير من واشنطن أو من العلاقات معها. أزمة الليرة التركية الحالية هي أزمة مالية وليست اقتصادية وهناك فرق، فالأزمة تتلخص في تعاظم ديون القطاع الخاص في تركيا والتي بلغت 217 مليار دولار حسب بيانات البنك المركزي، منها 20 مليار دولار تستحق السداد خلال شهري سبتمبر وأكتوبر القادمين، هذا بالإضافة إلى تعاظم العجز في ميزان المدفوعات.
الجريدة الرسمية