رئيس التحرير
عصام كامل

المُزة والسياسة والدين


بين الليلة والبارحة أصبحت صفحات السوشيال ميديا حتى وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية لا حديث لها إلا عن خلع الفنانة حلا شيحة الحجاب، وكأن باستمرار حلا في الحجاب ستنتهي كل المشكلات التي نعاني منها.


نسينا أو تناسينا آفة الآفات التي نعيشها سواء من تدني الوضع الاقتصادي والسياسي والديني ليس فقط على المستوى المحلي لكنه على النطاق الأوسع والأشمل، حتى إن كثيرا من الدول العربية التي كانت أمس بين مصاف الدول الرائدة اقتصاديًا باتت تعاني الغلاء والمناوشات المادية والاقتصادية والدينية وكذلك السياسية.

يبدو أن الجملة القائلة إن «الشعب المصري متدين بطبعه» لا تظهر إلا إذا كان بطل الواقعة إحدى الفنانات من معتادي الوقوف أمام الكاميرات، فإذا تحجبت إحداهن خرجت الكتائب منقسمة لنصفين الأولى مؤيد وبشدة وأخذ الموضوع بوازع ديني مرددين التكبيرات «الله أكبر.. ربنا يهديكي وينور بصيرتك» وكأنهم قبل ارتدائها الحجاب كانوا من المقاطعين لها ولأعمالها الفنية، وفي المقابل يظهر الشق الآخر من المهاجمين للفنانة وفي أغلبهم من زملائها في الوسط الفني، متهمين إياها بالتخلف والرجعية، وأن ظهورها بالحجاب يتسبب بشكل أو بآخر لتراجع مصر عن دورها الرائد فنيًا وثقافيًا.

آفة الآفات في قضية «حجاب حلا شيحة» الإقحام الديني والسياسي للقضية وتأويلها كل حسب توجهه ومعتقداته، متناسين قوله تعالى «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» سورة البقرة (256).

ومنذ أيام كانت الظاهرة الأكثر تداولًا على السوشيال ميديا الذي أصبح محركًا ووقود إشعال لوسائل الإعلام بأنواعه، زواج الفنانة شيري عادل من الداعية معز مسعود، وكأن الكون يتوقف عن الدوران لمجرد أن داعية قرر الزواج من فنانة، وخرج المتشدقون بالحريات في أوائل الصفوف المهاجمة لتلك الزيجة، معتمدين على وصف الداعية أن من يتزوج متبرجة فإنه "ديوث"، والمضحك المحزن في الأمر أن أكثر الواصفين لشيري عادل بالمتبرجة أقلها احتشامًا رغم ما ترتديه أمام الكاميرات أو خلفها.

فكيف لشعب تربى على مخزون من الأمثال الشعبية وموروث لا بأس به من العادات والتقاليد ينصب نفسه خصمًا وحكمًا وجلادًا دون رحمة على من يخالفه في الرأي فلنرجع لقول خالتي وخالتك: «دع الخلق للخالق يا ابني».

فزواج معز مسعود من شيري عادل وخلع حلا شيحة الحجاب وعودتها للفن لا شأن لهما بالقوالب الدينية والسياسية، التي ندري جميعًا ودون شك أنها خط أحمر ممنوع الاقتراب منه بأي حال من الأحوال.

فبمطالعة بسيطة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي وليكن «تويتر» نرى من خلاله أعلى معدلات البحث فستجدها «حلا شيحة وخلع الحجاب» وقلة عن استحياء من تناولت ما يحدث في اليمن والسعودية، وقتل الأبرياء من الجانبين ناسين ومتناسين أن ما يسال على الأرض دماء عربية وإن اختلطت لن تستطيع التفرقة بين اليمني والسعودي منها، هذا على الجانب الدولي، وبالعودة للشأن الداخلي، لم نجد من يهتم بما يحدث من حالات انتحار بشكل شبه يومي نتيجة للضغوط المادية والنفسية والاجتماعية، حتى إن واقعة أطفال المريوطية الذين عثر عليهم متفحمين داخل أكياس القمامة لم تنل أدنى قدر من الاهتمام.
الجريدة الرسمية