النجاح صياعة.. والصياعة أخلاق!
بينما كان الرئيسُ عبد الفتاح السيسي يتحدثُ في المؤتمر السادس للشباب عن "بناء الإنسان"، وضرورة تضافر الجهود المخلصة لتحقيق هذا الهدف النبيل، كانتْ إعلانات "الآوت دور" تملأ وسطَ العاصمة لترويج مُنتج غذائى، مُستعينة ببعض العبارات الصادمة مثل: " النجاح صياعة"، و"الصياعة أخلاق"، وهكذا.
هذهِ آفة بلادنا، الرئيسُ في وادٍ.. والآخرون في وديان شتى. فأىُّ بناء للإنسان لك الذي ينشدُه الرئيس ويتطلع إليه؟! دعْكَ من أن هذا الإعلان السخيف يتصادم مع أبسط القواعد والضوابط الخاصة بفن صناعة الإعلانات، ولا تسأل كيف تسللَ هذا الإعلانُ واحتلَّ المواقع الأبرز في قلب القاهرة، فإجاباتُ تلك الأسئلة لن تُغيرَ من الواقع البائس شيئًا.
ولكن الأزمة الحقيقية تكمنُ في أنَّ كلَّ الطرق أصبحتْ تؤدى إلى تشويه البنية الإخلاقية وتدميرها. الرئيسُ تكلَّم في مناسبات عديدة، ومن بينها: المؤتمر الأخير أيضًا، عن السينما وأبدى استياءه من رداءة الأفلام التي تروج لقيم سلبية مثل: البلطجة والعلاقات الآثمة وإدمان المخدرات!
ومن الإعلان والسينما إلى الإعلام "صحافة وإذاعة وتليفزيونًا" الذي يحتفى بالنماذج الوضيعة ويتجاهل النماذج الإيجابية، بل وقد لا يخجلُ أحيانًا من إهالة التراب عليها. لدينا إعلامٌ "حكومى وخاص" يُخصص مساحات كبيرة للاحتفال بذكرى راقصة أو ممثلة إغراء، أو الحديث عن فنانةٍ تحجبت أو خلعت حجابها، في الوقت الذي يجلب فيه ضيوفًا للتشكيك في الأديان وهدم العقائد، وقتل الأخلاق، والانتصار للرذيلة والدعوة إلى التمكين لها.
إنَّ دعوة الرئيس لبناء الإنسان المصرى، الذي تعرَّض في السنوات الأخيرة، لمؤثرات سلبية أتلفت منظومته الأخلاقية، دعوةٌ مثاليةٌ بامتياز، ليس لأنها صادرةً عن رئيس البلاد، ولكن لأنها بالفعل رسالة نبيلة ومهمة، والتخاذلُ عن تنفيذها سوف يُسهم في إفساد البقية الباقية من أخلاق المصريين الذين يحتلون المراتب المتقدمة في التصنيفات السلبية، كالطلاق وإدمان المواقع الإباحية وزنا المحارم.
"بناء الإنسان" صارَ "فرض عين"، ليس على مؤسسة الرئاسة فحسب، ولكن على جميع الجهات والمؤسسات، قبل أن يتحولَ "النجاح" إلى "صياعة"، و"الصياعة" إلى "أخلاق"!!