رئيس التحرير
عصام كامل

عدو نفسه


هذا فنان منحه الله موهبة وراهن الجمهور عليه كوجه مصري يشبه غالبية الناس، وكبديل لنجوم كبار رحلوا ولم يتم تعويضهم، وبالفعل حقق نجومية مبكرة فيما يبدو، لم يكن مستعدا ومؤهلا لها، وراح يبني نجوميته على لعب أدوار تنتصر للناس الغلابة وتعبر عن أوجاعهم وانكساراتهم..


وعندما توحد الناس معه وقلدوه حتى في الشر والانتقام فجأة راح يستعرض سياراته الفارهة في جراج القصر الذي يقيم فيه، أو يبث فيديو وهو يجلس بين الأسود والنمور أو وهو يوزع اللحوم على الفقراء، وليت الأمر توقف عند تعويض النقص ولكن راح يرد على منتقديه بغلظة وغرور لم يسلم منها حتى زملائه الذين صنعوه وعادة ما يخسر نصف من حوله عندما يفتح فمه..

فإذا ما تكلم خسر الجميع، وبدا أن الرجل عدو نفسه غير مقدر للموهبة والنعمة التي منحه الله إياها وذهب الغرور مداه بالانتقال من التمثيل للغناء بكلمات ترد على منتقديه، فغني إنه نمبر وان أي الأول، ثم أغنية ملك الغابة، وراح يغرد على تويتر وإنستجرام بالسخرية من زملائه، وكلما تعرض لفشل ازداد غروره ولم يفطن إلى أن الاستخفاف والاستهتار في العمل الفني كما حدث في مسلسل نسر الصعيد، واعتقاده أنها مجرد مشاهد، وستمر وهو لا يعلم أن الجمهور هو أكبر ناقد..

وأصبحوا يشاهدون المسلسلات لاستخراج الأخطاء، فيظهر مثلا في حلقة وعلي وجهه حسنة ويتم إزالتها في الحلقة التالية مع ظهور اللمبات الموفرة للطاقة رغم أن أحداث المسلسل تدور عام ١٩٩٨، قبل اختراع تلك التقنية وظهور المايك والسماعات في ظهر فستان "وفاء عامر"، إضافة لأخطاء التطرق باللهجة الصعيدي، وكلها أمور تعكس الاستهتار والاستخفاف بالعمل..

والغريب أن الممثل محمد رمضان الصعيدي ابن قنا، نشأ في كنف أسرة فقيرة حاول التنصل منها زاعما نشأته بالجيزة، وهو ما نفاه والده، مؤكدا أنه نشأ وترعرع في قنا، وبغض النظر عن كيفية تعامل الكبار معه في بداية مشواره وكلها مواقف كانت تعلمه التواضع وليس العكس، ولم يغفر الجمهور له سخريته من الراحل إسماعيل يس زاعما أن أفلامه أسأت للجيش، أو تغريداته للرئيس بشأن عدم دعوته مع الفنانين في المناسبات القومية متسائلا: (اشمعني أنا هل لأني أصغرهم أم لأني أكثرهم شعبية في الشارع)، وهو ما أثار الغضب وتم حذفها، أو وصف زميله فؤاد بيومي بالنحيب..

وهو ما يؤكد افتقاده للحس الفني والاجتماعي، وأن الطبع يغلب التطبع وأن الأموال لا تغير أو تهذب سلوكيات الناس، ويعاني من أزمة في إدارة موهبته عندما يدخل يوميا في معارك جانبية تدفعه لمرض هوس الشهرة المزمن، وقد يدفن بنفسه موهبة كبيرة، ويصبح مجرد ظاهرة عابرة حدثت لعشرات مثله وربما كانوا أكثر موهبة، ولكنهم فشلوا في إدارة تلك الموهبة..

وخلاصة القول إن هناك الكثيرين مثل محمد رمضان لم يجدوا من يردعهم ويوقفهم عند حدود الأدب، بل وجدوا من يدعوهم للجلوس بجوار الوزراء في الصفوف الأولى، وتنهال عليه الأعمال والإعلانات ويقدمونه على أنه قدوة للشباب، ولم يعد يحتل المشهد إلا مثل هؤلاء ومعهم أصحاب الصوت العالي ومن لديه واسطة ومن يجيد النفاق والتطبيل، وأصبح المجتمع يجد العذر للصوص ويتهم الشرفاء الصابرين المحتسبين المغلوبين على أمرهم..

بدليل أن الجمهور لا يعاقب قليل الأدب، بل يحتفي به وينتخبه وينصبه مثل أي غجرية تصبح ست جيرانها، ولسوف تستمر تلك الحالة طالما أن الجهات المسئولة لم تردعهم وتحميهم من أنفسهم، وتحمي المجتمع من تطاولهم، والأهم أن المجتمع نفسه كأفراد ومؤسسات لم يتخذوا موقفا لعقاب هؤلاء، ووقف المدد بأضعف الإيمان بمقاطعة أعمالهم.
الجريدة الرسمية