رئيس التحرير
عصام كامل

خبراء يكشفون أسباب بطء إجراءات التقاضي في مصر.. «أندراوس»: العدالة السريعة تؤدي إلى ظلم المتقاضين.. أحمد عبدالرحمن: المشكلة في القائمين على تطبيق القوانين.. وفقيه دستوري: قلة عدد القضاة أحد

دار القضاء العالى
دار القضاء العالى

أكد قضاة وخبراء قانون أن هناك أسبابا عديدة تؤدي إلى تراجع مرتبة مصر في عدالة القضاء، أهمها مسألة بطء التقاضي وعدم تحقيق العدالة الناجزة، التي تؤدي إلى تداول القضايا أمام المحاكم لسنوات قد تصل إلى 20 عاما، بالإضافة إلى قلة عدد القضاة، وبعد جهات التقاضي، ومسألة الحبس الاحتياطي، حيث يوجد آلاف القضايا التي تم حبس متهمين فيها احتياطيًا على ذمة قضايا ثم حصلوا على أحكام براءة.


العدالة الناجزة
وقال المستشار رفعت السيد رئيس محكمة جنايات القاهرة الأسبق إن بطء إجراءات التقاضي في مصر قضية واضحة وتحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي عنها في أكثر من مناسبة، مطالبا بضرورة تحقيق العدالة الناجزة، كما تحرك مجلس النواب – في سبيل تحقيق ذلك – بتعديل قانون الإجراءات الجنائية بهدف سرعة الفصل في القضايا الجنائية، فضلا عن تعديل قانون المرافعات المدنية والتجارية للمساهمة في إنجاز القضايا بشكل أكبر مما هو عليه الآن.

وتابع : ولكن كل هذه الأمور- في تقديري - مسكنات لا تؤدي إلى حسم المشكلات وتحقيق هدف الإنجاز السريع للتقاضي في مصر.

وأكد أن العلاج معروف ومتداول بين الكافة، ولكن أحدا لا يريد أن يقدم على هذا العلاج، فالمشكلة الأساسية هي كثرة عدد القضايا المتداولة أمام المحاكم والتي تفوق بكثير جدا أعداد القضاة المنوط بهم الفصل في هذه القضايا مما يؤدي إلى تأخير الفصل فيها لسنوات عديدة، قد تصل في القضايا المدنية أحيانا إلى ما يزيد عن 20 عاما، وهو أمر غير مقبول.

زيادة عدد القضاة
وأضاف أن الحل هو زيادة عدد القضاة بما يتفق مع عدد القضايا، وتأهيل القضاة للفصل فيها، بالإضافة إلى توحيد المبادئ القانونية التي يلتزم بها القضاة في قضائهم، وهذا كله يحتاج إلى تعيين على الأقل ما يقرب من 50 ألف قاضٍ، في حين الذي يفصل في القضايا الآن لا يتجاوز 7 آلاف قاضٍ، أي أننا نحتاج إلى 7 أمثال القضاة الحاليين.

وأشار إلى أهمية الأكاديمية القضائية الخاصة بتنمية وتأهيل القضاة لتولي المناصب القيادية، وتعيين من يصلح لتولي وظيفة القضاء، وعند تحقيق ذلك سوف نصنف – قطعا - في الصفوف الأولى من بين الدول في تحقيق العدالة الناجزة في القضاء المصري.

خطورة سرعة الفصل
بينما يرى المستشار عادل أندراوس رئيس محكمة استئناف القاهرة الأسبق، أن تحقيق العدالة الناجزة أمر خطير، وقد يؤدي سرعة الفصل في القضايا إلى ظلم المتقاضين، مؤكدا ضرورة تحقيق العدالة أولا ثم الناجزة، مؤكدا أن العدالة البطيئة أفضل من الظلم أو عدم تحقيق العدالة.

وأضاف أن المشرع قام بإجراء تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية بما يضمن تحقيق العدالة وفي ذات الوقت تقصير أمد التقاضي أمام المتقاضين من خلال تيسير إجراءات التقاضي، حيث ارتكزت التعديلات الجديدة على "إجراءات التحقيق بمعرفة النيابة العامة وإجراءات الحبس الاحتياطي، وإعلان الخصوم ونظر الدعوى وترتيب إجراءات الجلسة، وتعديلات خاصة بمحاكمة الأحداث، وتشكيل المحاكم وتحديد أدوار انعقادها، وكذا الإجراءات أمام محاكم الجنايات، وطرق الطعن في الأحكام، استئناف الجنح.

وتضمنت التعديلات أيضا استحداث إجراءات جديدة في مباشرة النيابة العامة للتحقيق بشأن المعاينة والتفتيش وضبط الأشياء المتعلقة بالجريمة، وكذلك إجراءات جديدة في الاستجواب والمواجهة وسماع الشهود، والتكليف بالحضور وأمر الضبط والإحضار، وأوامر الحبس والإفراج المؤقت، والتصرف بالمضبوطات، كما تضمنت تعديلات القانون استحداث تنظيم إجراءات منع المتهم من التصرف في أمواله أو إدارتها والمنع من السفر..

تعديل قانون المرافعات
وأوضح أن المشرع يعكف حاليا على إجراء تعديلات على قانون المرافعات المدنية والتجارية بهدف تحقيق العدالة الناجزة، مطالبا بضرورة التروي في إجراء التعديلات على القوانين حتى لا نقضي على العدالة نفسها – وفقا لقوله .

وأشار إلى أن تعديلات قانون الإجراءات الجنائية تضمنت إجراءات جديدة بشأن الحبس الاحتياطي، والتي أجازت اتخاذ إجراءات جديدة بديلة عن الحبس الاحتياطي، لافتا إلى أن الحبس الاحتياطي ضرورة بضوابط خوفا من هروب المتهم أو طمس معالم الأدلة في حالة الإفراج عنه على ذمة التحقيقات، مؤكدا أن كل قضية ولها ظروفها الخاصة، ومسألة حبس المتهم احتياطيا من عدمه مسألة تقديرية للقاضي فليس كل متهم يمكن حبسه احتياطيا، ولا كل متهم يمكن الإفراج عنه أيضا وهو أمر تقديري للقاضي حسب ظروف القضية.

تقارير مضللة
من جانبه، أكد المستشار أحمد عبد الرحمن عضو مجلس القضاء الأعلى الأسبق، أن تقارير منظمات حقوق الإنسان في الخارج التي تتحدث عن القضاء في مصر وتصنفه بأنه في المرتبة الـ116 في العدالة، جميعها تقارير مضللة غير صحيحة تهدف إلى تشويه صورة وسمعة مصر والقضاء في الخارج بعد ما حققته مصر من إنجازات عظيمة في الفترة الأخيرة، وطفرة في جميع المجالات.

وأضاف أن القضاء المصري يتمتع باستقلالية تامة دون تدخل السلطة التشريعية أو التنفيذية في أعماله، لافتا إلى أنه على مدار 50 عاما عمل في القضاء لم يشهد أي تدخل من جانب أي سلطة أو شخص، مؤكدا أن رئيس الجمهورية شدد في أكثر من مناسبة على استقلال القضاء وأنه بمنأى تماما عن أي تدخل في شئونه.

وأشار إلى التعديلات التي أجريت على قانون الإجراءات الجنائية، وكذلك التعديلات التي تجرى حاليا على قانون المرافعات التجارية والمدنية، بهدف تحقيق العدالة الناجزة وقد شملت أهم التعديلات على قانون الإجراءات الجنائية (سماع الشهود..المنع من السفر..وضع ضوابط للحبس الاحتياطي – أو التحفظ على الأموال..  وغيرها).

وأكد أن القوانين الموجودة حاليا تتلائم تماما مع الأوضاع وطبيعة الجرائم في مصر، والمشكلة الأساسية ليست في القوانين، وإنما القائمين على تطبيق تلك القوانين والعاملين بالقضاء وخاصة الجهات المعاونة والمحامين، فالسبب الرئيسي في بطء الفصل بالقضايا، هو تأخر تقارير الخبراء والطب الشرعي وفور قدومهما إلى المحكمة يقوم القاضي في الفصل فورا في القضايا، لافتا إلى أن تأخر التقارير بسبب قلة العاملين في الطب الشرعي والخبراء الأمر الذي يحتاج إلى زيادة عددهم بما يتلائم مع عدد القضايا المحالة إليهم.

وأضاف، هذا بجانب استغلال بعض المحامين لثغرات القوانين، والعمل على تأخير وإطالة أمد التقاضي خاصة فيما يتعلق بالاستماع إلى الشهود.

وأكد أن التعديلات التي أجريت على قانون الإجراءات الجنائية جاءت ملبية للطموحات والآمال في القضاء على بطء التقاضي، ومن المنتظر أن يتم الانتهاء من مناقشتها في دور الانعقاد الرابع بمجلس النواب.

أسباب بطء التقاضي
من جانبه، قال الدكتور صلاح فوزي الفقيه الدستوري، عضو لجنة الإصلاح التشريعي إن مسالة بطء التقاضي له أسباب متعددة، ولا نستطيع إلقاء اللائمة دائما على هيئة المحكمة، وإنما هناك أسباب أخرى تتعلق بالمتقاضين أنفسهم، فنجد أحيانا المحامين يطلبون التأجيل كثيرا، ولو لم تستجب المحكمة يعتبر ذلك إخلالا بحقوق الدفاع، بالإضافة إلى الإساءة في عملية استخدام رد القضاة مما يؤدي إلى تأخير الفصل في الدعاوى.

وأشار إلى أن الدولة تعكف حاليا على إدخال تعديلات على قانون المرافعات التجارية والمدنية وتنظيم إجراءات التقاضي أمام مجلس الدولة، وأهم محاور التعديلا مسألة " إعلان الخصوم " والتي تعتبر من أهم مشكلات تأخير الفصل في القضايا.

ونوه إلى وجود بعض الإجراءات ومراحل في التقاضي سبب في بطء التقاضي – ليس لها علاقة بالمحكمة – على سبيل المثال مراحل أو حلقات إضافية تتم قبل اللجوء إلى المحاكم مثل لجان التوفيق في بعض المنازعات التي أنشئت بموجب القانون رقم 7 لسنة 2000، والتي تهدف إلى إنشاء لجنة في كل وزارة أو محافظة أو هيئة عامة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، للتوفيق في المنازعات المدنية والتجارية والإدارية التي تنشأ بين هذه الجهات وبين العاملين بها، أو بينها وبين الأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة، بالإضافة إلى مكاتب تسوية المنازعات الأسرية، والتي استحدثها قانون إنشاء محاكم الأسرة رقم (10) لسنة 2004، وهي مرحلة للتسوية الودية في المنازعات الأسرية تسبق مرحلة التقاضى؛ وتتولاها مكاتب تتبع وزارة العدل وعهد إلى تلك المكاتب محاولة إزالة أسباب الشقاق والخلاف بين أفراد الأسرة ورأب الصدع الأسرى.

وأكد أن تلك المكاتب مجرد مراحل إضافية لا جدوى لها، ولم تحقق الهدف المنشود منها، وفي النهاية يلجأ الخصوم إلى المحاكم لرفع الدعاوى القضائية، بالإضافة إلى تكلفة الإجراءات، مشددا أنها تؤدي إلى مد أمد التقاضي، مطالبا بإلغاء تلك اللجان وإعادة النظر في قانون فض المنازعات، ومنازعات الأسرة.

وأضاف إلى أن مشكلة قلة عدد القضاة أحد أسباب بطء التقاضي، بالإضافة إلى ضرورة تقريب جهات التقاضي من خلال بناء أبنية جديدة للمحاكم، هذا بجانب تأخر تقارير الخبراء والطب الشرعي، لقلة عدد العاملين في تلك المنظومة.

وتابع: أن كثرة رفع القضايا من المتقاضين أحد أسباب بطء التقاضي، وذلك بسبب صدور قرارات إدارية غير مشروعة، ويتم الطعن عليها أمام القضاء الإداري، وهذا يتطلب تدريب المسئولين على إصدار تلك القرارات الإدارية حتى لا يطعن عليها بعدم المشروعية ويزداد عدد القضايا أمام المحاكم.

إعلان الخصوم
كما طالب بضرورة إصلاح منظومة "إعلان الخصوم" وميكنة تلك المنظومة من خلال إسنادها إلى شركات متخصصة في ذلك، بالإضافة إلى تحديد مواعيد قانونية لمعاوني القضاء للانتهاء من التقارير التي بياشرونها، باعتبار أن تأخرها سبب رئيسي في بطء التقاضي.


وأشار الدكتور صلاح فوزي إلى أن المشرع المصرى نظم مسألة الحبس الاحتياطي بأنه «إجراء من إجراءات التحقيق، وتدبير احترازى في الوقت نفسه، والوسيلة الوحيدة للمحافظة على الأدلة والقرائن العادية وللحيلولة دون ممارسة المتهم أي ضغط على الشهود أو أي اتصال سرى بغيره من المتهمين بما يؤثر في التحقيق».

وأكد أن هناك بدائل للحبس الاحتياطي، وكذلك منها، إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه، إلزام المتهم بأن يقدم نفسه لمقر الشرطة في أوقات محددة، حظر مزاولة المتهم لأنشطة معينة.

ويرى أنه يحظر استخدام بدائل الحبس الاحتياطي للمتهمين في جرائم الإرهاب حتى لا يكون بابا لهروب المتهمين والتجربة أثبتت ذلك في بعض الحالات، ثم أن اللجوء لبدائل الحبس الاحتياطي سلطة تقديرية للقاضي وحده، وقد لا تلجأ الجهة القضائية إليه خوفا من هروب المتهم.
الجريدة الرسمية