الأوامر المنسية من القرآن (17)
نستكمل رحلة تأمل آيات كتاب الله العزيز الحكيم وما في الكثير منها من أوامر مباشرة وصريحة لم يلتزم بها الكثيرون الالتزام الأمثل، بينما التزموا بآيات الشعائر والعبادات وحدها.. مثل "وأقيموا الصلاة" و"فمن شهد منكم الشهر فليصمه".
نتوقف اليوم عند قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" وهي الآية رقم 105 من سورة المائدة، وفيها أمر لا يحمل أي لبس ولا يحتاج إلى أي تأويل أن الإنسان سيحاسب على ما قدم هو، فإن خيرا فخير وإن كان شرا فعليه وزره.. وهي الآية التي تنسجم تماما مع آيات أخرى في القرآن الحكيم مثل "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه" وقوله "ولا تزر وازرة وزر أخرى" وقوله "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره".
حيث الحساب على الأعمال دقيق جدا حتى إنه يحسب بمثقال الذرة وهي في حياتنا المعاصرة شيء لا نراه بالعين المجردة وكانت تعني وقت نزول القرآن صورة قريبة من المعنى المعاصر لكن كان المقصود منها في المعنى أنها شيء صغير جدا!
آيات القرآن تتكامل بل وتتطابق لتقول لنا التزم بنفسك.. عليك إصلاحها.. ومنع شرورها وتوجيه سلوكها للخير.. وبعد ذلك وقبله انشغل بنفسك.. لا تتطفل على الناس ولا تتدخل فيما لا يعنيك.. الله وحده سبحانه من يحاسب عباده.. وهو وحده من يسألهم.. حتى إن استكمال الآية يقول "إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون"..
أي إن الجميع حتى لحظة الحساب على درجة واحدة لا يزكي فيه أحدكم نفسه "لا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى".. وكلها آيات تلزم الناس بعدم التدخل في شئون الغير وفرض أنفسهم على غيرهم وتزكيتها وكأنهم علموا الغيب واطلعوا على علم الله وامتلكوا مفاتيح الجنة!
سبحان الله.. القرآن يعلمنا الأدب.. خليك في حالك.. لا تتدخل فيما لا يعنيك إلا إذا طلب منك ذلك أو عن إغاثة الغير وتقديم يد العون لهم.. لكن للأسف تركنا القرآن واستمعنا إلى فلان وعلان حتى وصلنا إلى ما نحن فيه.. وعليه!