رئيس التحرير
عصام كامل

حكاية «عم فراج».. عجوز بدرجة خبير في سوق «برقاش» للجمال (فيديو)

فيتو

في قرية برقاش الواقعة شمال محافظة الجيزة، والتي تزدهر بالتجارة طوال العام ويصل الإزدهار إلى أوجه خلال موسم عيد الأضحى المبارك؛ يقع أشهر سوق للجمال، سوق برقاش الذي يحمل اسم القرية وتتوالى عليه الوفود من مختلف المحافظات مع اقتراب "العيد الكبير".


بمجرد أن تطأ أقدامك أعتاب هذا السوق العتيق المحاط بأسوار حديدية تشعر وكأن الزمن عاد بك للخلف إلى سنوات أو عقود مضت، المنطقة صحراوية والسوق يقع بعيدًا عن العمران والمنازل، وملامح المتواجدين به توحي إلى أنهم من أصول جنوبية وصعيدية وتختلف عن ملامح المقيمين بالقرب من السوق.

أثناء تجولك داخل السوق الذي يقع على مساحة 25 فدانا لا تسمع سوى رغاء الإبل وأصوات بشرية تتلو أرقامًا متزايدة تنقطع بمجرد سماعك جملة «هاا حد يزود.. الله يبارك»، لتعود في العد مرة أخرى من جديد، في جو مليئ بالصخب يمتزج فيه أصوات أوامر التجار مع رغاء جمالهم المتمردة.

العمل داخل هذا السوق متشابه، فالمنافسة شديدة والنشاط والحيوية يدبان أرجاء المكان لبيع أكبر عدد من الجمال، ما أن يحسم المزاد مصير فوز أحد الجزارين بالغنيمة التي تهافت عليها كثيرون، تعلو البهجة والسعادة على الوجوه رغم ارتفاع درجة حرارة الجو.

خلف غرفة متهالكة بالسوق يجلس عجوز مرتديًا جلبابه الـ "معفر" برمال صفراء وعمامة بيضاء، يحتسي كوبًا من الشاي، تبدو على وجهه مشقة السفر، وبلهجة مصرية ممزوجة ببعض الكلمات الصعيدية يتحدث «عم فراج»، ذو الـ 69 عامًا، عن حكايته مع سوق «برقاش» فيقول: "منذ أكثر من ثلاثين عاما، كنت أحرص على الذهاب بصحبة والدى لبيع صفقتنا من الجمال، قبل نقل السوق من منطقة «البراجيل» بالجيزة إلى "برقاش" وعن أصل السوق يحكى "السوق أصوله سودانية؛ ولا يزال أبناء الجنوب يهيمنون على مجريات الأمور بسوق برقاش، ويشاركهم في هذا أيضًا سكان الصعيد من قنا حتى أسوان، فهم رجال لا تخطئهم الأعين من حيث الملامح والأجساد المزينة بعباءات فضفاضة يكسوها «صديري» وتحف رؤوسهم من الأعلى العمة؛ فالسوق سوقهم والكل يعلم ويعى جيدًا أنهم توارثوا المهنة أبًا عن جد، مؤكدًا أنهم لا يدعون أي مزاد يخرج من أيديهم إلى غيرهم".

وبعد خبرة سنوات عديدة في مجال التجارة، يؤكد «فراج» أنه اكتسب خبرة كبيرة في التفريق بين أنواع الجمال، خاصة أن لكل منها نوعًا متميزًا عن غيره سواء في الشكل واللون وطبيعة المعاملة والأكل، ويروى: "كنت بروح مع أبويا حلايب وشلاتين ودراو وأسوان والسودان، وبقيت بعرف أفرق بين كل نوع من أنواع الجمال، وأفرق بين الجمال السوداني والصومالي، وفيه جمال بلدى من أصل سوداني، بنشتريهم صغيرين ونعلفهم كويس لحد مايبقوا لحم"، ويؤكد فراج أن الجمل السوداني يحظى بالأفضلية لدى البعض، كونه ينشأ في المراعى الخضراء، وأكله أفضل عن الجمال الصومالية لأنه ينشأ في مناخ مختلف عن غيره.

درجة الخبير لم يكتسبها هذا العجوز بسهوله، فقديمًا كانت تتعرض قوافل الجمال للسرقة وخاصة خلال فترة الثورات الأخيرة التي شهدتها مصر، إلا أن الطريق الآن أصبح أكثر أمانًا، وأشار فراج إلى أن قائد القافلة كان لا يحظى بهذا اللقب إلا بعد ممارسته الجيدة لرعى الجمال لفترة طويلة.

وعن تجديد سوق برقاش وتطويره يقول فراج: "السوق الآن ينقسم إلى مجموعة من «الحظائر» يسميها رواد السوق مكاتب وتصل عددها إلى أكثر من 32 مكتبا، مملوكة لكبار التجار يأتي إليها من يريدون بيع أو شراء الجمال، وفى حالة البيع يتم ترك الجمال عند صاحب المكتب لبيعها وله نسبة عن كل رأس يبيعها".

وتتم عمليات البيع بشكل يومي في السوق بالممارسة، إلا أن يومي الأحد والجمعة تتم عملية البيع عن طريق المزاد، حيث يقف أحد أصحاب المكتب ويلتف حوله تجار وجزارين وسماسرة، وما أن يتم البيع يكتب أحد العمال اسم المشتري على جسم الجمل.

ووسط الزحام الشديد الذي تصنعه خطى الجمال وحركة البيع والشراء التي يشهدها السوق، يختتم «فراج» حديثه واصفًا شدة تعلقه بالسوق والجمال قائلًا: «منعرفش نشتغل حاجه تانى غير كده، لو غبنا يوم بعيد عن السوق نقول الدنيا خربت ورانا».
الجريدة الرسمية