أديرة الجنوب ترفع راية «العصيان».. البابا ينفذ مخطط «عزل الرهبان» بـ12 قرارا.. حادثة الأنبا إبيفانيوس تعيد فتح ملفات الأديرة «المودرن»... وتحذيرات للأقباط بعدم الدخول في
عقارب الساعة تشير إلى الثالثة بعد منتصف الليل.. ظلال بشرية تتحرك متجهة إلى قاعة الصلاة.. الرهبان يلتقون داخل القاعة.. ينتظرون قدوم رئيس الدير.. الدقائق تمر ثقيلة، والرئيس لم يأت حتى الآن لرفع صلوات تسبحة باكر.. الصلاة قاربت على الانتهاء ولا يزال المكان المخصص لرئيس الدير فارغًا.. باردًا في انتظار الأنبا إبيفانيوس، رئيس دير الأنبا مقار بوادي النطرون.. لكنه لم يأت.
تغيب الأنبا عن الصلاة، لم يكن عاديًا.. ما دفع عددا من الرهبان للتطوع والذهاب إلى مغارته للاطمئنان عليه، خشية أن يكون تعرض لحادثة بسيطة أو أزمة صحية عابرة منعته من الصلاة التي لا يتركها أبدًا، لكنهم كانوا على موعد مع مفاجأة قاسية.
الرهبان في طريقهم إلى مغارة الأنبا، رئيس الدير، اعترضتهم جثة ملقاة في الطريق، غارقة في الدماء بعدما تعرضت لضربات قاتلة، وما هي إلا ثواني قليلة، أفاق بعدها الرهبان من هول المفاجأة، ليكتشفوا أن الجثة الدموية تلك ما هو إلا الأنبا إبيفانيوس.
ما سبق لا يتعدى كونه سيناريو تخيليا لما يمكن أن يكون قد حدث، بناء على المعطيات المتاحة، لا سيما وأن القضية لا تزال قيد التحقيق، المثير في الحادث هو أنه وقع داخل دير، والأغرب هي مجموعة القرارات التي أصدرتها لجنة الرهبنة وشئون الأديرة.
كثيرون اعتقدوا أن المتهم أحد الموجودين في الدير، نظرًا لصعوبة الدخول والخروج من الدير، كما أن قفز الأسوار يعد شيئا من الخيال نظرا لارتفاعها، كما أن وجود شخص غريب في منطقة القلالي غير جائز أو مسموح به، وستكشف التحقيقات الكثير خلال الأيام المقبلة.
بعيدا عن الواقعة المأساوية.. لعب الحادث دورًا في فتح ملفات عدة ظلت خلال السنوات الماضية طي النسيان، لعل أبرزها أوضاع الرهبان، وحالة عدم الانضباط الموجودة في الأديرة، وعليه عقدت لجنة الرهبنة وشئون الأديرة بالمجمع المقدس، برئاسة قداسة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، وحضور الأنبا دانيال السكرتير العام للمجمع المقدس، و19 من الآباء المطارنة والأساقفة ورؤساء الأديرة وأعضاء اللجنة جلسة خاصة، في اليوم التالي للحادث تم خلالها مناقشة انضباط الحياة الرهبانية والديرية.
وأصدرت اللجنة اثنى عشر قرارا، أهمها وقف رهبنة أو قبول إخوة جدد في جميع الأديرة القبطية الأرثوذكسية داخل مصر لمدة عام يبدأ من أغسطس 2018 م، كما أن الأماكن التي لم توافق البطريركية على إنشائها كأديرة سيتم تجريد من قام بهذا العمل من الرهبنة والكهنوت والإعلان عن ذلك، مع عدم السماح بأى أديرة جديدة إلا التي تقوم على إعادة إحياء أديرة قديمة، ويتم ذلك من خلال رعاية دير معترف به.
كما قررت اللجنة تحديد عدد الرهبان في كل دير بحسب ظروفه وإمكانياته وعدم تجاوز هذا العدد لضبط الحياة الرهبانية وتجويد العمل الرهباني، مع إيقاف سيامة الرهبان في الدرجات الكهنوتية «القسيسية والقمصية» لمدة ثلاث سنوات، والالتزام بعدم حضور علمانيين على الإطلاق في الرسامات الرهبانية لحفظ الوقار والأصول الرهبانية الأصيلة، إلى جانب الاهتمام والتدقيق بحياة الراهب والتزامه الرهبانى داخل الدير، واهتمامه بأبديته التي خرج من أجلها ودون الحياد عنها.
كما وضعت اللجنة مجموعة من المحاذير، تعتبر مخالفتها جرما يستوجب العقوبة التي تصل إلى حد المساءلة والتجريد من الرهبنة والكهنوت وإعلان ذلك رسميًا، ومن بينها الظهور الإعلامي بأى صورة ولأى سبب وبأى وسيلة، التورط في أي تعاملات مالية أو مشروعات لم يكلفه بها ديره، التواجد خارج الدير بدون مبرر والخروج والزيارات دون إذن مسبق من رئيس الدير، كما أنه لا يجوز حضور الأكاليل والجنازات للرهبان إلا بتكليف وإذن رئيس الدير بحد أقصى راهبين.
اللجنة منحت الرهبان فرصة لمدة 30 يومًا لغلق أي صفحات أو حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، والتخلى الطوعى عن هذه السلوكيات والتصرفات التي لا تليق بالحياة الرهبانية قبل اتخاذ الإجراءات الكنسية معهم، إلى جانب مناشدة جموع الأقباط بعدم الدخول في أي معاملات مادية أو مشروعات مع الرهبان أو الراهبات، وعدم تقديم أي تبرعات عينية أو مادية إلا من خلال رئاسة الدير أو من ينوب عنهم، وتفعيل دليل الرهبنة وإدارة الحياة الديرية الذي صدر من المجمع المقدس في يونيو 2013 وهى مسئولية رئيس الدير ومساعديه.
القرارات التي اتخذها البطريرك اعتبرها البعض ثورية لمواجهة ما أطلقوا عليه وصف «الرهبنة المودرن»، والعودة إلى حياة الرهبنة الأولى التي وضع قواعدها الآباء، لكنها جاءت في وقت خاطئ، لأنها شككت في أن المتهم أحد الرهبان.
ويرى الفريق المؤيد لقرارات البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، أنها تعيد الحياة الرهبانية لمسارها الصحيح، بعد أن ظلت سنوات في انحدار أثر على الروحانيات فيها، حيث انشغل الرهبان بكل ما هو عالمي، من حيث بناء القلايات على أحدث طراز، والتواصل مع الشعب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يتنافى مع الحياة الرهبانية الصحيحة، وفكر البابا الراغب في العودة إلى تعاليم الآباء.
وقال مصدر لـ«فيتو» إن البابا يتخذ قراراته منفردا، في ظل هروب القيادات من المسئولية، وهو نفس المنهج الذي كان يتبعه البابا الراحل شنودة الثالث، وكان على القيادات التنفيذ فقط، وهو ما رسخ فكرة أن البابا من المفترض أن يفعل كل شيء.
المصدر ذاته، برر هذه القرارات بوجود غصة في حلق البابا من أوضاع الرهبان، وسلوكياتهم، مشيرا إلى أن البطريرك تنتابه حالة ضيق من الرهبان من وقت رسامته بطريركا يسعى إلى تقويم سلوكهم بالحُسنى، من خلال لقاءات ومؤتمرات وزيارات لكن دون استجابة فعلية من قبل الرهبان.
وتطرق المصدر إلى الأديرة التي لا تعترف بها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، قائلا: البابا تواضروس خاطبهم كثيرا لتوفيق أوضاعهم، وجاهد معهم لسنوات، لكنهم رفضوا الحديث، ويزعم بعضهم أن العذراء ظهرت لهم وأوصتهم بإنشاء دير يحمل اسمها، وآخرون ادعوا ظهور قديسين لهم، وخلال الجلسة الأخيرة للمجمع المقدس رفض الاعتراف بأديرة جاهزة.
الانقسام الذي أحدثته تحركات البابا وقرارات اللجنة، انعكس على عدد من الأديرة، وتحديدًا أديرة الجنوب، التي تصاعدت داخلها موجات الغضب، ففي الوقت الذي اجتمع رؤساء أديرة الوجه البحري، مع الرهبان، وطالبوهم بتنفيذ قرارات البطريرك، كشف مصدر آخر تحدثت إليه «فيتو» أن هناك عددا من الأديرة في الصعيد ترفض الخضوع للقرارات معلنة التمرد، بدعوى أنها قرارات مجحفة يمكن أن تطبق على طلبة المدارس.
وأوضح أن هناك تحركات من بعض الأساقفة الرافضين لقرارات البطريرك، لوقف تنفيذها أو تعديلها، بزعم أنها باطلة خاصة أنها صدرت بموافقة 19 أسقفا فقط، وهو ما يطعن في صحتها، خاصة أنه كان من المفترض وجود ما لا يقل عن 50 أسقفا أي نصف المجلس.
الطامة الكبرى تكمن في الغضب القبطي نتيجة أن البعض مرر فكرة تسليم أو تخلي الكنيسة عن الأديرة غير المقننة، ويبلغ عددها 13 ديرًا، بينها 3 أديرة للراهبات.
«كاهن نيوجيرسي».. كلمة السر في قرارات البابا الغاضبة والثورية، حيث أكد مصدر أن البابا تواصل مع أحد كهنة نيوجيرسي، واستشاره في القرارات، أو بمعنى آخر - حسب تأكيد المصدر- فإنه يمكن القول إن الكاهن هو صاحب القرارات والبابا صدق عليها فقط، وانتقد الكثيرون سياسة الحسنة تخص والسيئة تعم، مشيرين إلى أن البطريرك قرر معاقبة الجميع بعد مقتل رئيس دير الأنبا مقار، وهي سياسة مرفوضة في الكنيسة.
"نقلا عن العدد الورقي"..