رئيس التحرير
عصام كامل

متحدثًا عن أيام دكة البدلاء وجامايكا ومكالمة تونس.. زغلول صيام يروي تفاصيل 24 عامًا صداقة مع السد العالي.. «الجوهري» هدده بالرحيل في 98 وهذه حكاية «عفاريت الجابون»

عصام الحضري
عصام الحضري

شئنا أم أبينا سيظل يذكر التاريخ أن هناك رقما قياسيا مسجلا باسم مصر لصالح عصام الحضري حارس مصر كأكبر لاعب شارك في المونديال والحقيقة أن قصة حياة عصام الحضري لابد أن تظهر في كتاب باعتبار أنه حقق إنجازات من الصعب أن يحققها غيره.


وأنا عندما أقول قصة حياة الحضري فأنا أعني ذلك تماما ليس لأنه لاعب كرة قدم حقق بطولات ولكن لأنه يعتبر نموذجا وقدوة للشباب، قدوة في الاجتهاد والعمل والصبر والمثابرة وتحمل الصعاب وكيف يخرج من كبواته منتصرا ففي الوقت الذي يظن فيه أنه خلاص انتهى الحضري يعود أكثر بريقا ويثبت أنه الأول والأجدر. 

أول حوار
لقد عرفت عصام الحضري في صيف عام 1994 وكان وقتها الكابتن محسن صالح المدير الفني للمنتخب الوطني بعد رحيل راوتر وانضم بفضل الراحل حسن مختار شيخ مدربي حراس المرمى وقال لي وقتها إن هذا الحارس هو مستقبل مصر ولكن كانت المنافسة حين ذلك على أشدها بين العملاق شوبير والصاعد آنذاك نادر السيد

وقتها أجريت أول حوار صحفي للحارس عصام الحضري وهو أول حوار له في الصحافة وكنت أكتب آنذاك في جريدة الأحرار وكان لي صديق يعمل معي في الأهرام نقل الحوار إلى الأهرام.

ثم بعد ذلك خرج من المنافسة في المنتخب الأول لينتقل إلى المنتخب الأوليمبي تحت قيادة الخبير فكري صالح والمدير الفني رود كرول وكان احتياطي مصطفى كمال وأتذكر يوما ما التقيت الحضري في أحد فنادق الإسماعيلية ووجدته غاضبا أنه لم يأخذ فرصته وأن التركيز على مصطفى كمال وطالبته بالصبر والاجتهاد وفي نهاية هذا الجيل الذهبي كان الحضري هو الحارس الأساسي للفريق وهو ما زال في دمياط قبل انتقاله للأهلي.

مرت سنوات وسنوات، باعدت بيننا الدنيا ولكن أبدا كلما يلتقيني يذكرني بأني أول من عمل معه حوارا صحفيا وأنا سعيد بصبره وعطائه واجتهاده في العمل لأنه انتقل للأهلي وبزغت نجوميته وأنا أراقبه من بعيد، أراقب شابا مصريا يقوم بعمله مثلما يقول الكتاب وبالتالي فإن الحضري لم يصنع أسطورته بالحظ، ويكفي أنه بعد موقفه مع الأهلي وضراوة الحملة ضده التي كانت كفيلة بتحطيم أي شخص ولكنه صمد وتحدي كل الظروف تعلم فيها من دروس الماضي.

نعم الحضري كان يكره أن يجلس على دكة البدلاء وهو ما يراه بعض المدربين عيبا ولكني أراه ميزة لأنه يقابل ذلك بتدريبات أقسى وأعنف ليثبت للجميع أنه رقم واحد وما زلت أتذكر حكاية قصها لي الأسطورة الراحل الكابتن الجوهري في بطولة الأمم الأفريقية 98 كان المنتخب فاز بأول مباراتين وضمن التأهل لدور الـ8 فذهب الحضري للكابتن فكري صالح وطلب أن يلعب المباراة الثالثة أمام المغرب فما كان من الكابتن فكري إلا أن قال له (روح قول هذا الكلام للكابتن الجوهري ) وعندما نقل رغبته للمدير الفني فنادي بأعلى صوته يا سمير يا عدلي احجز تذكرة عودة إلى مصر للحضري، وهنا أدرك خطورة الموقف فبكي واعتذر واستوعب الدرس الذي لم ينساه في حياته بأنه لا يشغل نفسه باللعب بقدر الاجتهاد في التدريبات.

لا ينام
سافرت كثيرا مع الحضري مع المنتخب وأقول إنه كان لا ينام ولا يهدأ إلا عندما يعرف أنه في التشكيلة الأساسية ولكن الحق أنه لم يتغير بنجومية أو غيره فهو يري أنه أصغر لاعب، يعاون عامل المهمات في حمل أدوات التدريب ولم يتكبر يوما ما ويطبق الاحتراف بمعناه الحقيقي وإذا طلبت منه قناة تليفزيونية إجراء حوار يطلب المقابل وهو وأنا لا نراه عيبا لأن وجوده إضافة لأي مكان وسيكسب من ورائه وبالتالي لابد أن يحصل على حقه

وحتى عندما جاء برادلي للمنتخب اتخذ موقفا عدائيا من الحضري بالاتفاق مع زكي عبدالفتاح باعتبار أن الحضري سنه كبير وعليه الاعتزال ولكن أبدا لم يستسلم وظل ينتقل من نادٍ لآخر.

ولي قصة شخصية أخرى ما زال شهودها أحياء وهي عندما تولى الكابتن شوقي غريب قيادة الفريق الأول كان الوقت ضيقا ومن الصعب إجراء تغييرات وأثناء مباراة السنغال في تصفيات أفريقيا ارتكب أحمد الشناوي خطأ ساذجا في أول خمس دقائق كلف الفراعنة هدفا في مرمانا وتغييرا اضطراريا وانتهت المباراة وكان السفر صباح يوم المباراة إلى تونس لخوض آخر مباراة وكان هناك حارسان فقط محمد صبحي وعلي لطفي فقلت للكابتن شوقي ماذا ستفعل؟ طلب رأيي فقلت إن المباراة أمام تونس لا يتحملها إلا الحضري فأبدى اقتناعا واتصلت بالحضري ونحن في تونس فأكد أنه جاهز وتحت أمر المنتخب وكل مصر تقول إن المنتخب سيستدعي سين وصاد غير الحضري وإذا بالجميع يفاجأ بالأسطورة في الملعب ومن هنا كانت بداية العودة للمنتخب.

السحر والشعوذة
في الأمم الأفريقية الأخيرة بالجابون كان الجهاز الفني قد قرر أن يكون الشناوي الحارس الأساسي ولكنه أصيب في أول مباراة ليعود الحضري ويقود مصر للمباراة النهائية، وهنا تكلم بعض العوام عن أن الحضري يستخدم السحر والشعوذة لإبعاد زملائه وأنا على يقين أن جاميكا الذي يتعامل معه الحضري هو جهد وعرق في الملعب ويتدرب كأنه ناشئ صغير وإذا لم يقتنع بتدريب يعود ليكرره.

الفطرة هي سلاح الحضري في كل شئ فما زال يفاخر بأنه رجل ابن عائلة بسيطة في دمياط لم يكن يجد ما يشتري به حذاء للعب به أو قفاز يذود به عن مرماه وكان يقطع أميالا ماشيا على قدمه للحاق بتدريبه في نادي دمياط.

الحضري رجل بيتي لا يجيد السهر ولا خلافه بقدر الحرص على التدريب ومتابعة كل جديد في عالم حراس المرمي وأتذكر مرة كنا في الكاميرون 2005 ونواجه الأسود ورأيت كيف كان صامويل إيتو أحسن لاعب أفريقي وقتها يتوسل للحضري أن يفوت هدفا للكاميرون لتصل به المونديال والحضري لا يستجيب له لأنه يرى أن كلمة الأمين تطلق على حارس المرمى.

الحقيقة أن هناك لقطات للحضري كان النجم الأول فيها بلا منازع ولو طلبوا أرشح لهم مباراة سأقول إنها مباراة إيطاليا في كأس القارات عندما وقف الحضري لأبطال العالم كالأسد يتصدى لهم في كل مكان مما دفع الحارس العملاق بوفون لأن يطلب منه فانلته ويثني على إدائه.

دروس الصبر
الحضري ياسادة ليس مجرد حارس اعتزل بقدر ما هو عملاق في عمله وقدم دروسا في كل شيء في الصبر والاجتهاد والعمل الدؤوب من أجل تحقيق حلمه الكيير وها هو ما زال في الملعب يقدم الدروس والعبر.

الحضري ليس من عينة النجوم الذين يغازلون الإعلام والفضائيات والمواقع ولكنه يترك كل هؤلاء هم من يسعون إليه، لم يتملق شخصا وطوال صداقتي به لم يطلبني مرة حتى أكتب له كلمه أو تزكية في شيء معين.

عصام رجل عصامي بمعني الكلمة، عاش أبوياسين قدوة شباب مصر وأرجو أن يبادر اتحاد الكرة إلى تكريمه بالشكل الذي يليق به لما قدمه لكرة القدم المصري ولو أني أشك !!!!!
الجريدة الرسمية