رئيس التحرير
عصام كامل

صديقي «عبد العال الباقوري»


عام ١٩٧٧ كنت واحدا من الذين تم اتهامهم بالتحريض على الانتفاضة الشعبية التي غطت مصر كلها من الإسكندرية إلى أسوان، احتجاجا على رفع أسعار السلع الغذائية وعلى رأسها الخبز، وهي الانتفاضة التي أسماها الرئيس السادات انتفاضة الحرامية، وجاء قاضٍ شجاع، هو المستشار حكيم منير صليب ليصدر حكمه والرئيس السادات في الحكم، أنها كانت انتفاضة شعبية.. غير أنني أفلتُ من الاعتقال، واختفت لنحو ثلاث سنوات وثلاثة أشهر..


وخلال هذه الفترة وبعد أن تم الإطاحة بالأستاذ عبد الرحمن الشرقاوي من رئاسة مؤسسة "روز اليوسف" ومعه كل من الأستاذين فتحي غانم وصلاح حافظ من رئاسة تحرير مجلة روزا، وتولى مسئولية المؤسسة والمجلة الأستاذ مرسي الشافعي وتوقف بقرار منه صرف راتبي الشهري، ثم جاء بعد وفاته الأستاذ عبد العزيز خميس ليفصلني من عملي ونال قراره تأييد اللجنة النقابية العمالية، ولم يتم إعادتنا للعمل إلا بعد نحو ست سنوات وبقرار رئاسي وقتها أسهم فيه الدكتور مصطفى الفقي الذي كان يعمل سكرتيرا للرئيس الأسبق مبارك للمعلومات.

المهم أن وقف صرف راتبي حرمنا من مصدر الدخل الوحيد لي وقتها، في وقت كنت مسئولا فيه عن أسرة تتكون من أربعة إخوة صغار تركهم والدي لي بعد وفاته.. هنا امتدت لي يد الصديق العزيز وقتها عبد العال الباقوري بالعون.. كنت أكتب موضوعات صحفية يتسلمها هو شخصيا مني بشكل مباشر، غير مكترث لتبعات اللقاء مع شخص مطلوب إلقاء القبض عليه، ثم بمعرفة الصديق الفلسطيني عبد القادر ياسين يتم نشر هذه الموضوعات في إصدارات خارج مصر ويسلم المكافأة المالية الخاصة لي للصديق عبد العال ليسلمها لي في لقاء مباشر أيضا.. ولولا هده المساعدة الجليلة لهما لي ما كنت قدرت على الاستمرار في الاختفاء، والأهم لما كنت استطعت أن أتدبر أمور إخوتي الذين كنت مسئولا عنهم.

هذا هو الصديق العزيز عبد العال الباقوري الذي فقدناه أمس بعد صراع مع المرض.. شهامة ورجولة وشجاعة وخلق.. إنه زميل الدراسة الجامعية في سنوات النشأة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة في الستينيات من القرن الماضي، ومع ذلك لم تربطنا به صداقة امتدت كل هذا العمر إلا بعد أن تخرجنا، ولقاءنا في جريدة الجمهورية التي صار أحد أبنائها الأكفاء والنابغين، وذلك في بداية السبعينيات عندما التحقت مع الصديق أسامة الغزالي حرب لقسم الأبحاث الذي كان يديره الأستاذ فتحي عبد الفتاح، ويعاونه الأستاذ صلاح عيسى..

وكان الصديق العزيز عبد العال دوما خير داعم ومساند لي خلال الفترة التي قضيتها في الجمهورية وانتهت بقرار من رئيسها الجديد الأستاذ محسن محمد الذي جاء بعد الأستاذ العظيم مصطفى بهجت بدوي، ذلك الضابط الحر والكاتب الحر أيضا، فقد كان الأستاذ محسن محمد مشغولا وقتها بالتخلص من كل منتمى لليسار.

غير أن الابتعاد عن الجمهورية لم يبعدني عن الصديق عبد العال، الصعيدي الشهم، والكاتب الذي كرس حياته الصحفية للدفاع عن قضية العرب والمصريين الأولى، وهي القضية الفلسطينية، حتى في ظل تراجع هذه القضية عربيا بعد ما شهدته منطقتنا من مؤامرات استهدفت تقويض كيان الدولة الوطنية فيها.. فهذا الرجل ليس بالصديق الذي يمكن التضحية بصداقته..

رحمك الله أيها الصديق العزيز، وألهمنا جميعا الصبر على تحمل رحيلك، وعوض بلدنا وصحافتنا ونقابتنا بمن هو في كفاءتك وإخلاصك لمهنتك وموضوعيتك، وشجاعتك وشهامتك ورجولتك وإنسانيتك وأخلاقك الجميلة.. وكل العزاء لأسرتك ومحبيك الكثر.
الجريدة الرسمية