هوامش على مؤتمر الشباب!
مصر هي الدولة الوحيدة التي تتكلم عن الشباب، وكأن هؤلاء الشباب اختراع ليس له مثيل في كل بلاد الدنيا، ومصر هي الدولة التي تظل تتكلم عن الشباب ولا تعمل لهم، وما يحدث مع هذا الجيل سمعته وعشته مع جيلي والأجيال التي سبقتنا، تغيرت الدنيا ولا نزال محلنا نفكر ونخطط بعقلية قرن مضى..
بمعنى أن الشاب بيل جيتس بعقله يكسب في الثانية الواحدة ٢٢٦ دولارا أي ٢٠٠٠ جنيه، وأن شركة مثل سامسونج حققت أرباحا في عام واحد ٣٢٧ مليار دولار أي أكثر من الناتج المحلي لست دول عربية، ودولة مثل اليابان بشيوخها وشبابها في أقل من خمسين عاما انتقمت من العالم كله بالعلم والتكنولوجيا وليس بالأغاني والشعارات والأيديولوجيا والمؤتمرات..
والمعنى أن هؤلاء انشغلوا بالإنتاج ولم يقسموا أممهم بين شباب وشيوخ ولم يتشتتوا لفرق وأحزاب، وكان التمييز للأكثر إبداعا وعطاء وإنتاجا أيا كان عمره أو لونه، رغم أن القاعدة لدينا في القرآن أن الأكرم عند الله هو الأتقى في الإيمان والعمل، وبغض النظر عن المؤتمرات التي تعقد وتسليط الأضواء على بعض النماذج المبهرة فإنها لا تتعدى بضع مئات يتم اختيارهم بعناية فائقة، فإن هناك نحو ٦٠ مليون آخرين لا يجدون من يستمع لهم، وقد كانت عجلات المترو هي الحل لأربعة شباب خلال شهر واحد، وربما تصبح هذه المؤتمرات للأغلبية على أهميتها شيئا لا يخصهم ويقيمون الحواجز مع من حضرها بوصفهم من أصحاب الحظوة.
وعلى مدى عمر دولة يوليو تقريبا فشلت السلطة في تقنين تعاملها مع الشباب سواء عبر القنوات الشرعية أو في الاستفادة من فائض الطاقة والحيوية، والمأساة ليست عند السلطة وحدها لكن في كل الأحزاب والحركات الإسلامية، وقد يبدو هذا الصراع واضحا في الحركات الإسلامية بين الشباب والشيوخ، ومع هذا لم يستفد أحد من السلطة في استغلال هذا الفراغ واستقطابهم، بل لم يراجع أحد الفشل المتكرر للتنظيمات الشبابية التي نشأت في حضن السلطة من منظمة الشباب لجمعية جيل المستقبل للأحزاب الشبابية..
بل إن الأمر يبدو كأننا نعيد إنتاج الماضي في البرنامج الرئاسي، والأمر المؤكد أن الرئيس يسعى ويحاول ولو كان الأمر بيده لجلس وتحاور مع كل شاب في هذا البلد، وإن الرجل صادق ومؤمن فيما يقول بل إن مؤتمرات الشباب الستة تنوعت بين شرم الشيخ وأسوان والإسماعيلية والإسكندرية والقاهرة، لكن نصف الحضور يتكررون في كل هذه المؤتمرات، وقد أصبح وجودهم فرض عين..
وكان يجب التنوع ومنح مزيد من الشباب الفرصة للتشرف بالوجود في محفل يحضره الرئيس، وذلك حتى لا تشعر الأغلبية من الشباب غير المدعوين أنهم مستبعدين، خاصة أن اللقاءات قومية لكن يلاحظ مثلا عدم مشاركة شباب نواب البرلمان وهم كثر، وشباب تمرد، وشباب ٢٥ يناير، و٣٠ يونيو، لكن فيما يبدو أن مهمتهم انتهت وصاروا خارج الخدمة، وتلك رسالة سلبية لمن يفهم خاصة في ظل عدم مشاركة أيا ممن تم الإفراج عنهم بتوصية من مؤتمرات الشباب، في الوقت نفسه الذي ظهر فيه رجل أعمال محرض على القتل وتم الإفراج عنه.
وإذا كان لنا أن نتعلم من تجارب الماضي فإن معظم التنظيمات المتطرفة استغلت الفراغ والقصور وعملت على تجنيد الشباب وأسست تنظيمات ماركسية وشيوعية وتشكلت خلايا وفروع لحزب البعث في المحافظات، واستقطبت جماعة الإخوان الشباب الحائر مما أدى لاعتقالات ١٩٥٩ و١٩٦٠، وبعد صدور الميثاق تم الإفراج عن المعتقلين السياسيين وقرر عبد الناصر تأسيس منظمة الشباب الاشتراكي أواخر عام ١٩٦٣ بقيادة زكريا محيي الدين..
وتقدم نحو ٣٠ ألفا، وكانت المعسكرات تمتد لثلاثة أشهر لإعداد الكوادر، لكنها تلاشت في أعقاب ما سمي بثورة التصحيح في مايو ١٩٧١، وبعدها ظهرت مراكز إعداد القادة في حلوان، ولم تختلف عن سابقتها وبعدها أسس جمال مبارك جمعية جيل المستقبل لكنها تلاشت عندما وقعت الواقعة في يناير ٢٠١١
والأمر هكذا فإن الحل الأمثل والعملي في عودة اتحادات الطلاب، لأنه المصنع الحقيقي للفرز والاختيار والتدريب العملي على القيادة، وهو المعمل الحقيقي لتصويب الأخطاء وتهذيب الشطط وامتصاص فائض الطاقة الشبابية، بل وترويضها بعيدا عن فرض الوصاية على الحركة الطلابية بصورة فصلت الجامعة والمدارس عن المجتمع..
وذهب فائض الطاقة للعمل تحت الأرض وفِي السر بدلا من العلن.. وربما تكون المجالس المحلية الشعبية منفذا لامتصاص عشرات الآلاف من الشباب وتدريبهم على قيادة المستقبل، وثالثا فلا تزال مراكز الشباب والساحات الشعبية قادرة بجهود بسيطة على المشاركة في احتواء الشباب وإبداعاتهم، ذلك إذا كنا جادين فعلا في دمج الشباب، كل الشباب، وليس الصفوة المختارة.