حتمية الإصلاح الكنسي.. مسئولية البابا تواضروس أمام التاريخ
إن حتمية بناء الإنسان المصري أصبحت ضرورة وواقعا، ولا بديل إلا أن يتم ذلك في قلب المؤسسات الدينية حيث يتشكل الوجدان المصري ولا يمكن إغفال الدور والأثر والتأثير لتلك المؤسسات نحو بقاء الوطن.
ما بين كنائس شرقية وغربية انقسمت في مجمع خلقودونية ٤٥١م لتعميق السلطة السياسية للإمبراطورية الرومانية إلى انفصال الكنيسة الإثيوبية مؤخرا في ظل الحكم الشيوعي لإثيوبيا..
لم تنس القوى الدولية المعادية لمصر أن الكنيسة المصرية العريقة تمثل القوة الناعمة للدولة المصرية العريقة خاصة مع شعوب ترتفع فيها نسب التدين مثل الشعب الإثيوبي والتي تتجاوز النسب لدى الشعب المصري حسب الإحصائيات.. إلى متغيرات أخرى كالعولمة وأقباط المهجر إلى تمرد الشباب على نمط الفكر الروحاني ونزعة الفكر المادي والعلمي أتاح الفرصة لأدبيات الفكر الإلحادي الممنهج والمنظم ضد فلسفة الأديان عموما.... أصبح الإصلاح الأرثوذكسي حتميا لإرساء دعائم التطور والاحتواء الفكري داخل وخارج مصر.
إن مقاومة الإصلاح في شتي المجالات هي آلية في المجتمع المصري فالإنسان بطبعه عدو التغيير إلى جانب تواجد مراكز القوى والمستفيدين في ظل عدم وجود حوافز وعقوبات وتواجد قوي منظمة تاريخية ضد التغيير في مجتمع اعتاد منذ قرون على تغييب العقل والمنطق... إن الإصلاح داخل الوطن أو الكنيسة أو المنظومة الإدارية للدولة متصل بعضه البعض ولا انفصال.. ورغم المقاومة للتغيير فإن الفكر التقليدي أصبح هشا في ظل ما فرضته الإحداثيات والظروف السابق ذكرها.
إن أزمة الشرق الأوسط أنه مهد الأديان السماوية ولكنه متهم أنه مركز تاريخي للحروب الدينية.. ليس عيبا في الأديان ولكن لأن التصلب الفكري أصبح جزءا من الموروث الثقافي نحو ثقافة قبول الآخر، لذا فإن الأزمة ثقافية في المقام الأول يغذيها غياب الفكر النقدي والفكر الإبداعي وتدعمها بأفكار ارتدت ثياب الدين وهي في الغالب لا تمس فلسفة الدين بشيء، وإنما عادة ما تكون لها خلفيات اجتماعية أو صراعات سياسية استخدمت الأديان كستار لبث أفكار ورؤي ضد التطور الإنساني.
يجب أن نقر أن الشرق الأوسط أصبح عبئا على الحضارة الإنسانية في قبول التنوع الديني والثقافي داخليا وخارجيا ومنه خرج الدواعش والإخوان كنتاج لغياب العقل، إلا أن فلسفة المسيحية الأساسية هي قبول الآخر، ولكن انزلقت بعض الكنائس الكلدانية في العراق والسريانية في سوريا نحو الصراع السياسي ضد وحدة الوطن وظل الأقباط تحت قيادتهم الدينية يدركون معني الوطن ولكن.. هل سينجحون في كسر وباء الكراهية في مجتمعهم وقبول الآخر أم ستظل المحبة شعارا وفكرة سامية في مجتمعات غنية بمواردها فقيرة بفكرها؟!
هل يستطيع البابا الانتصار في معركته ضد الرجعية والتصلب الفكري في محيط الأقباط والكنيسة سواء في داخل الوطن أو خارجه؟!
هل ستستعيد الكنيسة قوتها الناعمة؟!!
هل سيكون الأقباط مثالا وقدوة وملح الأرض؟!
إن معركة العقل العربي لن يبادر فيها إلا المصري هكذا علمنا التاريخ، ومعركة العقل كما علمنا التاريخ لا تبدأ إلا من كسر الثوابت والأفكار البالية التي تدثرت بالدِّين.. أعتقد أن كلمات الرئيس السيسي تحمل إدراكا واعيا لفلسفة الدين وقبول الآخر وهو يدرك أن معركة بناء الإنسان هي معركته الحقيقية والإنسان هو عقل وروح... قبل أن يصطدم الجيل القادم بالدِّين وجب إصلاح الفكر الديني لضمان استقرار الوطن في ظل إحداثيات العولمة الثقافية.
كلمة أخيرة.. ولأن المسيحية أسست على دماء الشهداء فإن دماء الأنبا إبيفانيوس خلدت أفكاره نحو الإنسانية أولا ونحو المسيحية ثانيا، وستمهد الطريق للأنبا تواضروس لقهر الأفكار الرجعية نحو إصلاح كنسي منهجي والانفتاح على الآخر داخل وخارج الوطن ليشكل خطوة وطنية نحو إصلاح الوطن وبناء الإنسان المصري أولا وقبل أي بناء آخر.